الجمعة ، 22 يناير 2016 ، الساعة 4:58 بتوقيت مكة المكرمة
الرئيسية / أخبار أخرى / اغتصاب في المعتقل 2

اغتصاب في المعتقل 2

اغتصاب

ريم عبد الكافي:سوريا مباشر

أي وطن أدمن أن يسقي أبناءه يتم الحرية والأنسانية ،ويشردهم عن الحياة، وأي أبناء هم يذوبون فيه عشقا ، رغم مالاقوه على أرضه من مرارة الذل ،يسيرون في نفقه المظلم ،وترنو أبصارهم إلى النور في نهاية الطريق .يسكنهم ولا يسكنونه، يلفظهم ويتشبثون به .

عشت في زنزانة ،مع ثلاثين امرأة أو حطام بشر ،وحدتنا المأساة ،كروح لأجساد ،وجذر لأشجار . حياة لن أنسى عمري ، أني كنت ذات أيام سوداء ، أتقاسم معها الذل والهوان ، حياة حامل في شهرها السادس ، اعتقلت بدلا من زوجها ،نحيلة كزهرة  قطفت قبل أوانها، لم يشفع لها حملها من أن تنال نصيبها من العذاب والهوان ،كانت في كل جلسة تحقيق ، تصلب بعد أن تعرى من ثيابها ، تضرب بشدة حتى باتت الكدمات تغطي جسدها البائس ، وكان أحد الضباط يأتي السجن كل ثلاثاء ، وكوحش يروق له اغتصاب الحوامل من المعتقلات ، كانت تسحب من الزنزانة كخروف يذهب إلى المقصلة ،وتعود لتدخل في عزلة طويلة ،لم تكن تتكلم أبدا ،وكأن الكلام بات لايستحق العناء ،وحدها عيناها تشخصان نحو الجدار ،لا أدري مالذي تراه ، كمن ينتظر أحدا سيأتي بعد طول غياب ، وبالرغم من معاناة حياة من النزف المستمر ،ومع الحرمان من الفوط الصحية ،كنا نعينها بما يتيسر من قطع القماش نمزقه من أثوابنا ، نناشد السجانين عرضها على طبيبة نسائية ،دون جدوى فقد تعلمنا ،أن أبسط حقوقنا هي ترف ، في وطن يضن على أبنائه بإنسانيتهم .ذات إثنين أسود بدأت حياة بالهذيان ،تعتريها رجفة وعرق بارد يغطي جسدها الذابل ،وعبثا حاولنا وضع الماء على جبينها ، كنا ندعو لها بالشفاء ونحاول أن نخفف ألمها ، كانت تقول لي : لاتدعو لي بالحياة أدعو لي بالموت ،وحده الموت بات حبيبي، وحده بات ترياقا لشقائي ، وإذا سمحوا لأهلي باستلام جثتي ،أرجو أن تبلغوهم أن يدفنوني قرب أمي ، بت أحن لحضنها ، بعد أن حرمته في وطني ،علي أجده في قبر أمي،  تنظر إلي بعينيها وقد أخفى الشقاء بريقهما وتقول بصوتها الخافت أحضنيني ياوفاء ، حضنتها طوال الليل كانت دموعنا تمتزج ، شعرت أني أفقدها ، ومع بزوغ الفجر كانت حياة تودع الحياة بنفسها المتعب الأخير، ذهبت حياة دون أن تعود .

بكيناها كمن يبكي مأساته ، جثة أمامنا تحمل جنينا ودع الحياة في المعتقل ،لم يرحم البشر ضعفها ،لأنها لاتشبههم ،فهي تستحق الموت .

في الصباح حملت حياة، طلبت من السجان أن يبلغ أهلها وصيتها، وإلى الآن لا أعلم ماحل بها، عندما خرجت من المعتقل سألت كثيرا على أعرف ماحل بها وأين دفنت، بحثت عن أقربائها دون جدوى، فهي من قرية بعيدة.

الرحمة لروحك الطاهرة ،سيكون اللقاء ، انتظريني ياحياة

Print Friendly

اضف رد