الإثنين ، 1 فبراير 2016 ، الساعة 10:46 بتوقيت مكة المكرمة
الرئيسية / أخبار أخرى / اغتصاب في المعتقل 3

اغتصاب في المعتقل 3

اغتصاب

ريم عبد الكافي: سوريا مباشر

أدخلوها في زنزانة منفردة ،كان كل مافيها يبوح برائحة الموت الرهيب ،العفن المنتشر فيها ،الحشرات القابعة في زواياها المظلمة ،بصمات لأكف بشر مضرجة بالدماء ، وكأنهم وضعوا بصماتهم على جدرانها ،كإشارة بمرورهم منها نحو المجهول.ظلت سناء مدة 3شهور تقبع فيها لاترى أحد ولا أحد يراها ،وحدها يد سجانها تمد كل يوم من تحت باب الزنزانة ،لترمي لها بفتات الخبز وبعض حبات الزيتون ،وأصوات لقطرات ماء رتيبة تأتي من صنبور ماء بعيد ،تزيد الجو كآبة ووحشة،الساعات تمر بطيئة ضجرة ،كانت تتمنى أن ترى أحد ،أن تكلم أحد ،لتتأكد أنها مازالت في دنيا البشر.أصبحت الخيالات تعبر خاطرها ،تشعر أن أحدا يجالسها ،تتحدث إلى أشخاص غير موجودين ،لتتنبه أن مامن أحد معها ،وأنها تتكلم إلى خيالات ينسجها عقلها الضعيف .ومع مرور الوقت خافت سناء أن تجن ، وبدأت تصرخ ، ترجو سجانها أن يخرجها ، كان صراخها يصل إلى زنزانتنا ، ونسمع الحرس يتحدثون عنها ،وهم يسخرون منها وكأنها جنت ،   ومع كثرة صراخها لأيام عديدة ،جاء السجان وفتح باب الزنزانة ،شعرت سناء بالفرح ،لعله سيأخذها إلى زنزانة أخرى فيها بشر ،تكلمهم ويكلمونها ،تشاركهم أحزانهم ويواسونها ،مسكها من يدها وجرها خلفه كالبلهاء ،حاولت أن تسأله إلى أين يأخذها ،لا لأنها تريد إجابة ،فقط لسعادتها برؤية وجه بشر ،ولكنه كان وحش يأخذها إلى المقصلة .فتح السجان أحد الأبواب ،وفي غرفة صغيرة تظهر الكثير من الفوضى ،رماها على سرير حديدي يقبع في زاويتها ،قيد يديها إلى قضبان السرير ،تركها لدقائق وهي في شرود تام كمن أصابته المفاجأة بالذهول ،ضاعت في المكان. عاد السجان يحمل حبتين من دواء مجهول أجبرها على ابتلاعهما مع شربة ماء عنوة ،أحست برأسها يتثاقل،والنعاس يطبق أجفانها ،حتى دخلت في غيبوبة ،غيبتها عن كل شيء ،استيقظت سناء في صباح اليوم التالي لترى نفسها عارية ، والدماء تلوث سريرها ،وآلام شديدة في أسفل بطنها تكاد تقطعه ،عرفت أن الوحوش تناوبوا طيلة الليل على سلبها عفتها .دارت بها الدنيا لهول الفاجعة ، وفقدت الوعي لتستيقظ وتجد نفسها في زنزانتها ، سناء لم تعد تصرخ ،وحده الصمت بات رفيق زنزانتها والدموع اتخذت من عينيها مسكنا ،هي بقايا إنسان فقد كل شيء ،حريته ،إنسانيته ،وشرفه ،لم تعد تريد أن يطلق سراحها ،فلم يعد لديها شهية للحياة ، تنتظر النهاية لتلوذ بصمت أبدي ، براحة لا تنتهي ،ولا تدنسها وحوش الأرض .وذات يوم سجن أسود وجدت سناء في زنزانتها ،وقد فارقت الحياة كطفل بائس ، تلف رجليها بيديها ،وطمرت رأسها بينهما كمن يخاف شيء ،أو يتأهب للنهاية ،الآن أنت مع موعد مع الحرية ،ففي وطننا الموت هو الحرية ، ماتت سناء قهرا ويأسا ودمارا. شعرنا بغصة من يموت قهرا ،في وطن تنام عيون أبنائه على وسائد الخوف والعتمة ،وطن يبني قصورا للعاهرين ويترك للشرفاء الزنازين ، سناء ماتت في زنزانة الوطن لانها كانت وفية في زمن الغدر ،نقية في زمن الوحل ،صدحت بالحرية في مظاهرات سلمية ،فكان هذا مصيرها .

وكما قال نزار قباني :

كي نعيش يجب أن نخرس

وطن كتابه تعودوا أن يكتبوا من شدة الرعب على الهواء .!

Print Friendly

اضف رد