الجمعة ، 8 أبريل 2016 ، الساعة 3:13 بتوقيت مكة المكرمة
الرئيسية / مقالات / حين تخرس البنادق

حين تخرس البنادق

محمد النجارمحمد النجار
الجمعة الأولى في الهدنة المزمعة بعد ثلاث سنين متواصلة والشعب يتوسد الألغام ويفترش الركام ويلتحف البراميل, ثلاث سنين متواصلة والشعب يصيح (في فمي بارود).

عشرة أيام على انتهاء السنة الخامسة من ثورة التاريخ لذا أراد السوريون أن يودعوها بشرف يليق بأرواح شهدائها وكل الذي يريدونه هو أن تخرس البنادق, يومٌ واحدٌ ينتصرُ بهِ السلامُ وتخرسُ بهِ المدافعُ كفيلٌ لأن نريكم أن صوت حناجرنا أعلى وصدى كلماتنا أبلغ وأرواح شهدائنا أثمن.

صورة واحدة وصيحة واحدة كانت كفيلة بأن تلغي لدينا معشر السوريين الإحساس بالزمن, صورة نشاهدها بسعادة طفلٍ فنحملها بين أحضاننا ونحاول أن نجعل منها أجنحة نطير بها لنعود إلى تراب وطننا ولو لثوان معدودة, صيحة كرامة منكم تثبتون بها أفئدتنا رغم وجلها، لكنكم تفعلون ذلك على قساوة ما تعانونه يا أيها الهاربون من سمًّ الذل والقارعون لبوابة الكرامة بأيدٍ مضرجة بالدماء والعزة والوفاء.

خمسة أعوام مضت ونحن نعيش على كف الإحساس المضطرب, بكينا ألمًا وفرحًا وضحكنا تصبرًا ويأسًا ولم يكن زادنا نحن معشر المغتربين إلاكم يا نبضنا الحيّ الذي لم يألُ جهدًا في إثبات أنه كان دائمًا يفوق توقعاتنا.

كانوا يرون أنفسهم أسماك قرش قادرة على  ابتلاعنا – كما يظنون بنا – نحن معشر أسماك السردين, يمزقوننا بأنيابهم الحادة ويطحنون أجسادنا بفكهم المصنوع من الدبابات والصواريخ فكنّا نقاومهم بالزعانف والحراشف، وكانت عظام من قضى منّا تأبى إلا أن تكون شوكة في حلوقهم يغصون بها في ساعات السلم، لذا كانوا يمطروننا بكل أنواع الحقد الذي يملكون, فكنّا وما زلنا نمطرهم بكل أشكال الثبات الذي لا يعرفون.

يا أيها الشعب الممهور بالمحبة مذ عهدتك، كيف لك أن تختزل أطلسًا وتحمل العالم على كتفيك والطعنات تأتيك من كل حدب وصوب دون أن تلين, يا أيها الشعب المجبول على المحبة مذ عهدتك كيف لك أن تتحمل غاز الكراهية الذي ينفثونه من أفواههم أولئك المجرمون الموتورون, يا أيها الشعب المعجون بالمحبة مذ عهدتك كيف لك ألا تنفث هذا الخبث المتغلغل في صدرك كالسرطان.

لم يكن ما حصل لأننا نبحث عن الحرب, كل ما أردناه هو أن نقول للعالم أننا دعاة حب, لكنهم أبوا إلا أن يدخلونا في مستنقع الموت, كنا نهمس لهم (سلام) فيصرخون في وجهنا (سلاح).

فلتخرس البنادق ولتسمعونا, نحن ذهبنا للمعركة مرغمين لا راغبين.

فلتخرس البنادق ولتسمعونا, نحن خرجنا لنقول للعالم أن عتادنا الكلمة لا الرصاص، وأن مطالبنا لشعب واحد وليس لرجل واحد، وأن طائراتنا لافتات محمّلةٌ بالياسمين والحمام وليست محملةً بالبراميل والموت الزؤام.

يومٌ واحد ينتصر فيه السلام وتكمُّ به أفواه البنادق كانت كفيلة لنريكم أن أفواهنا ما زالت تنادي بمطلبها القديم, الحرية أولًا وثانيًا وعاشرًا وأخيرًا…

فلتخرس البنادق ولتسمعونا؛ فاليوم ينتصر حمزة الخطيب وغياث مطر وطارق الأسود، واليوم يضحك في ضريحه أبو الفرات وحجي مارع, واليوم ينتصر ما ضحى لأجله حسين هرموش, واليوم نثبت أن صدى الكلمة أقوى أثرًا من أزيز الرصاص ومن نباح الراجمات والصواريخ.

ساسة بوست

Print Friendly

اضف رد