لا تهمها سواء كانت هدى أو زينة، فما تشعر به من برد قارص وسماع أصوات اصطكاك أسنان أولادها وزوجها المقعد كل ما يشغل بال أم محمد السيدة التي لم تتجاوز ال 40 عاماً.
خليط من الملابس غير صالحة إلا للاحتراق والورق المقوى والمخلفات البلاستيكية والقليل القليل من الخشب، كل ما أمنته تلك السيدة لمواجهة العاصفة الثلجية التي بدأت تطرق باب منزلها المخلوع ونوافذه المحطمة التي أغلقت على عجل ببعض الأكياس البلاستيكية وقطع القماش
حولت أم محمد مدفأة المازوت بلمسات صغيرة إلى مدفئة تلتهم كل ما يدخل جوفها، سواء كانت ملابس بالية أو أحذية مهترئة أو فوارغ من الأوعية البلاستيكية، ليس للتدفئة فقط بل للطهي وتسخين مياه الاغتسال، على الرغم من الغيمة السوداء التي تخلفها المدفئة داخل الغرفة حيث يرتفع سعال من وجد بداخلها إلا أنهم يدركون جيداً بأنه لا بديل لهم إلا احتمال الأمراض الصدرية الناجمة عن ذلك.
أصيب زوجها في القصف المدفعي الذي استهدف حيهم في مخيم درعا وبات عاجز عن الحركة لبتر ساقه اليمنى وإصابة ساقه الأخرى التي ضمرت رويداً رويداً وأصبحت جراء ذلك عاجزة عن أداء عملها، ونتيجة لذلك تحول ابنها البكر الذي ترك دراسته إلى معيل للأسرة من خلال عمله المتنقل بين الورشات الصناعية أو الدكاكين والمحال التجارية والتي غالبا ما يتم فيها الاستغناء عنه لانخفاض مردورها المالي، كما يصرح به صاحبها لمحمد وعجزه عن دفع راتبه بشكل كامل.
أم محمد تسعى منذ ليلة أمس إلى تأمين الدفء لأسرتها بشتى الطرق منها طهي الأطعمة الساخنة كشوربة العدس والتي غالباً ما يكون غذاء الأسرة لعدة أيام بالرغم من التململ الذي يبديه الصغار من تناوله بشكل شبه متواصل إلا أنهم في النهاية يقتنعون مكرهين بأن حالهم أفضل من أطفال آخرين لا يجدون كسرة خبز في مناطق محاصرة كغوطة دمشق لذلك يلتهمون طعامهم كما أنه طهي للمرة الأولى، أما الوسيلة الأخرى للتدفئة وخاصة لزوجها المريض تقوم على تعبئة أوعية المشروبات الغازية الفارغة بالمياه الساخنة ووضعها داخل فراشه مما يؤمن له دفئا يمتد لثلاث ساعات يتم تجديدها كلما بردت المياه كما أن أطفالها لهم عبوات صغيرة من المياه خصصت لهم والتي يحتضنوها كما تحتضن الأم صغيرها الوليد لا يفارقونها إلا لحظة فقدانها للحرارة لتعيد أم محمد تسخينها على مدفئتها من جديد.
تقوم أم محمد بتوفير بعض الخدمات المنزلية للأهالي كالطهي وغسيل الملابس والمفضل لها خبز الفطائر الحورانية وخبز القالب فهي تجيد طهيها بشكل يدفع من تذوقها إلى طلبها منها مرة أخرى ولكن بعد فترة من الزمن نظرا للتكلفة المرتفعة لتلك الوجبة.
حال أسرة أم محمد كحال غالبية الأهالي في المناطق المحررة من مدينة درعا حيث ارتفعت أسعار المحروقات ارتفاعاً كبيراً، فسعر لتر مادة البنزين وصل إلى 500 ليرة سورية في حين وصل سعر لتر المازوت 450 ليرة سورية وجرة الغاز إلى 6000 ليرة سورية أما طن الحطب فقد تراوح من 25 ألف ليرة سورية إلى 30 ألف ليرة، وجراء ذلك عجزت أعداد كبيرة من الأسر عن تأمين حاجتها لمواجهة العاصفة الثلجية التي تضرب المنطقة لتعتمد على مخلفات ما تجده في منازلها أو بين الحارات وفي حاويات القمامة أحيانا ولعل موسم الخير بات موسم القهر والتحسر لدى معظم الأهالي.
رابط الخبر : سوريتنا