خطيب بدلة – العربي الجديد
ماهر حميد مهندس معماري من الرقة المحتلة، يمتلك في روحه قدراً كبيراً من الفكاهة. تَلَقَّفَتْهُ مجلةُ كش ملك الإلكترونية الساخرة منذ بداية تأسيسها، ودأبت على نشر مقطوعاته الهزلية الرائعة، وسرعان ما أصبح أحدَ نجوم الكتابة الساخرة في سورية. وذات يوم، كتب قصة قصيرة جميلة عنوانها “القَنَّاص والبَغِيّ”، نُشرت في مجلة “أوراق” التي تُصدرها رابطة الكتاب السوريين، وسرعان ما تُرجمت إلى الإنكليزية، وحوّلها فريق مسرحي، مقيم في بريطانيا، إلى عرض مسرحي وجد صدى طيباً عند النظَّارة. يحتفي ماهر حميد، هذه الأيام، بقانون أصدره ابنُ حافظ الأسد، رقمُه 20، تاريخُه 11/11/2015، يتعلق بالسياحة والعقارات المُعَدَّة للاصطياف والاستجمام!. يهتف ماهر، على طريقة أرخميدس حينما اكتشف قانون الإزاحة في جرن الحَمَّام: قانون السياحة صَدَرْ يا رجَّالة.. وأخيراً صَدَرْ.. ياما أنت كريم يا رب. ويُسَوِّغ فرحتَهُ بالقول إنه من غير المعقول، أو اللائق، أن يأتي السائح إلى سورية، ليسوح، وهو غير عارف رأسه من رجليه. أما الآن فقد تغير الحال، والحمد لله، وأصبح السائح، بمجرد ما ينزل في أحد المطارات السورية، يناوله (الشباب) نسخة من القانون الجديد، ويقولون له: تفضل، سورية الجميلة ترحب بك، سُحْ على كيفك. والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن السياحة في سورية، فالمدعو بشر يازجي الذي تسلم وزارة السياحة التي كانت مرشحة للإلغاء، لم يقعد، في يوم من الأيام، مكتوف الأيدي، بل إنه يخرج علينا، على نحو متواتر، بتصريحات، ومقابلات، وتوضيحات، وإحصائيات، تصب، كلها، في خانة (تطوير) السياحة السورية، ولا ينسى، هو ومعاونوه، أن يذكّرونا، بأن القطاع السياحي السوري المزدهر من إنجازات الحركة التصحيحية التي فَجَّرَها، قبل خمس وأربعين سنة، القائدُ التاريخي حافظ الأسد. لم يدخل ماهر في عالم التفاصيل، ولو شاء لعَدَّدَ لنا الكثير من ميزات السياحة في سورية، وأهمها أن السفر بين مدينتين سوريتين لم يعد يجري بطريقة الخطف، فَمَنْ كان يريد أن يذهب من حمص إلى حماه، مثلاً، كان يكفيه أن يجلس في الحافلة ويغمض عينيه، ليجد نفسه، بعد نصف ساعة، قد وصل، غير آبه لشيء. أما اليوم، فإذا أراد المرءُ أن يسافر من حلب الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر، إلى حلب الواقعة تحت الاحتلال الإيراني المدعوم من نظام الأسد، يضطر لأن يَذهب جنوباً في طريق دمشق، ثم ينعطف شرقاً في الطرقات الترابية، حتى يصل إلى السَّلَمية في البادية، ثم يعود القهقرى إلى مَسْكَنة، على طريق الرقة، المتجه شرقاً، ثم يُغَرِّبُ على طريقة الشاعر المهجري الذي كان (يُغَرِّبُ خلف الرزق وهو مُشَرِّقٌ)، حتى يصل، في 12 ساعة، إلى حلب، ويدخل الحارة التي كانت باصات النقل الداخلي تنقله إليها في ربع ساعة. لا يتضمن قانون السياحة الجديد فقرةً تسمح للسائح الأجنبي أن يزور المعتقلات التي تنطرش فيها دماء السجناء على الحيطان، والثلاجات الملأى بجثث المواطنين الذين ماتوا تحت التعذيب، أو يتفرّج على وقوف العساكر بالطابور، لأجل اغتصاب معتقلة مسكينة، ولا يسمح له بالصعود إلى باصات النقل في لحظة صعود العنصر المسلح، ليأمر كل راكب (حمار) أن يضع في يده خمسمائة ليرة، ثم يمر بهم واحداً واحداً ويجمعها منهم.. لكنه، أي القانون، لا يمنع من إقامات متاحف، تُعْرَضُ فيها أنواع القذائف والصواريخ والبراميل التي استخدمت لقتل السوريين في السنوات الخمس الماضية. ولعل أكثر ما يشجع السائح على القدوم إلى سورية، الآن، هو الخطر الذي يرافقه منذ لحظة دخوله إلى لحظة خروجه، وكيف أنه ينظر إلى وجهه في المرآة، فيرى شخصاً يشبهه لكنه مرعوب، مخطوف اللون، وذو لحية طالتْ وابيضَّتْ بسبب الأهوال.
العربي الجديد