يعتقد الرئيس فلاديمير بوتين أن غارات سلاح الجو الروسي في سوريا ساهمت في تغيير دفة الحرب هناك، لكن مصادر تقول إن بطء تقدم الجيش السوري أصابه بالإحباط.
وإذا سقطت حلب فقد يحقق بوتين مكسبا عسكريا ورمزيا يتوق إليه.
أربعة أشهر من القصف الجوي الروسي دعمت موقف الرئيس السوري بشار الأسد، وهو أقرب حلفاء الكرملين في الشرق الأوسط، وساعدت قواته على تحسين وضعها الميداني.
لكن أسماء المدن والقرى التي استعادتها القوات الحكومية وأهميتها الإستراتيجية لم تفلح في إثارة حماس الجماهير الروسية التي يساورها قلق أكبر بشأن تراجع مستويات المعيشة. ولم يحقق الجيش السوري المدعوم بالقوة الجوية الروسية أي انتصار كبير حتى الآن يمكن لموسكو تسويقه على مستوى العالم كدليل على بأسها العسكري ونفوذها المتعاظم في الشرق الأوسط.
وقال مصدر قريب من الجيش الروسي، طلب عدم الكشف عن هويته لـ”رويترز”: “كان هناك بعض الإحباط من أداء الجيش السوري، خاصة وأنه في البداية كان يحرز تقدما بطيئا”.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن استعادة السيطرة الكاملة على حلب التي كانت كبرى مدن سوريا قبل سنوات الحرب الخمس ستغير سير الأحداث، وتقرب بوتين أكثر من النهاية التي يفضلها، وتتصور حكومة سورية صديقة لروسيا تتيح لموسكو الإبقاء على قاعدتها البحرية والجوية هناك.
وقال دميتري ترينين، الكولونيل السابق بالجيش الروسي ومدير مركز كارنيجي في موسكو: “حتى الآن، سمعنا عن تقارير تفيد بمكاسب للقوات الحكومية هنا وهناك، وتحقق القليل من النجاحات الملحوظة”.
وأضاف: “لكن كل هذه النجاحات كانت تكتيكية وليست باهرة، إذا أصبحت تحت السيطرة الكاملة لدمشق فسيعطي هذا دفعة نفسية كبيرة للأسد، وسيكون مصدرا للرضا بالنسبة للكرملين”.
وعلى مدار سنوات الحرب، قُسمت حلب إلى جزء تسيطر عليه القوات الحكومية ومناطق في قبضة المعارضة.
ونزح عشرات الألوف من السوريين فرارا من القصف الروسي المكثف في محيط حلب، الجمعة، ويقول عمال إغاثة إنهم يخشون من محاصرة القوات الحكومية للمدينة بالكامل التي كان يعيش بها ذات يوم مليونا شخص.
وشهدت الساعات الأربع والعشرون الماضية تطويق القوات الحكومية ومقاتلي حزب الله اللبناني والمقاتلين الإيرانيين لمنطقة ريف حلب الشمالي وقطع خط إمداد رئيسي يربط المدينة التي كانت كبرى مدن سوريا قبل الحرب مع تركيا. وقالت أنقرة إنها تشتبه في أن الهدف هو تجويع السكان لدفعهم للاستسلام.
ومع نفاد صبر الكرملين المتطلع لإنجاز في سوريا، لجأ لتعزيز قواته هناك. وفي الفترة الأخيرة، ذكرت وسائل إعلام محلية أن موسكو أرسلت أكثر طائراتها العسكرية تقدما وهي (سوخوي-35 إس) لتنضم لقوة من سلاح الجو هناك قوامها نحو 40 طائرة سريعة، كما كثفت روسيا كذلك غاراتها الجوية.
إلهاء مفيد
وقد يسهم تحقيق انتصار في حلب في رفع الروح المعنوية في الداخل الروسي، حيث أضعفت الأزمة الاقتصادية مستويات المعيشة، وتراجع الدخل الحقيقي لأول مرة منذ صعد بوتين إلى السلطة في روسيا قبل 15 عاما.
ويحظى بوتين بدعم وتأييد من وسائل إعلام حكومية موالية، ونظام سياسي يُحكم قبضته عليه، ومعارضة محدودة الحكم والتأثير. وتشير استطلاعات للرأي إلى أن نسبة التأييد الشعبي له ماتزال أكثر من 80 بالمائة.
لكن مع بوادر غير مؤكدة على سخط اجتماعي متصاعد، احتج خلال الأشهر الماضية حائزو الرهون العقارية بالعملة الصعبة، وسائقو الشاحنات، والمتقاعدون، ومن شأن الترويج لانتصار بمساعدة روسيا في سوريا أن يحسن الروح المعنوية للناخبين المحبطين.
وقال ستيبان غونتشاروف، من مركز ليفادا المستقل لاستطلاعات الرأي: “سيكون إلهاء مفيدا واستعراضا أمام الشعب”، مضيفا أن وسائل الإعلام الحكومية استغلت الأزمة السورية في السابق لإذكاء مشاعر العداء للغرب، وتعزيز فكرة عودة روسيا كقوة عظمى.
وأضاف: “حيلتهم تتمثل في التخلص من الأفكار التي تثير القلق الاجتماعي واستبدالها بأفكار تساعد على الوحدة. سيكون أي انتصار عسكري (في حلب) لحظة رائعة لإظهار القوة، ورمزا للبأس العسكري، وسيستغل لزيادة التأييد للسلطات”.
وقال أيضا، إن آخر مرة استطلع فيها مركز (ليفادا) الآراء وكانت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي تبين أن 72 بالمائة من الروس لديهم رأي إيجابي عن الغارات التي ينفذها سلاح الجو في سوريا، لكن هذه القضية تراجعت بعد ذلك لتحل محلها موضوعات عن الاقتصاد وما يقوم به الكرملين لتخطي الأزمة الاقتصادية.
وأضاف أن هناك علامات على تراجع التأييد للسلطة بعض الشيء بسبب تردي الوضع الاقتصادي.
وقال ترينين، من مركز كارنيغي، إن الروس رغم الحملة الإعلامية للكرملين لم يظهروا اهتماما بالصراع السوري، ويرغبون في أن تحد بلادهم من تدخلها هناك بينما تلاحقهم ذكريات هزيمة السوفييت في أفغانستان.
وقال ترينين: “بالنسبة لأغلب الناس، هذه حرب في بلد بعيد”، مضيفا أن الناخبين يشعرون بالتوتر من أي إشارة لاحتمال إرسال قوات برية إلى سوريا. وتشير الأرقام الرسمية للجيش الروسي إلى سقوط أربعة قتلى من أفراده لقي ثلاثة منهم حتفهم في القتال.
لكن تنظيم الدولة أعلن مسؤوليته عن إسقاط طائرة ركاب روسية في مصر في تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 224 هم كل من كانوا على متنها. وقال التنظيم حينها إنه فعل هذا ثأرا من الحملة الروسية بسوريا.
ويقول ترينين إن بوتين يعتبر سوريا مسألة مهمة لكنها جزء من لعبة أوسع نطاقا.
وأضاف: “الهدف النهائي للسيد بوتين هو استعادة روسيا لوضعها كقوة عظمى، سوريا جزء من ذلك، لكن الأمر يتعلق أيضا بالسياسة الخارجية الروسية الأوسع وبتركة بوتين. سوريا هي المكان الذي سيحسم فيه كل هذا”.
رويترز