عاد نبض الثورة إلى شوارع سورية من جديد يوم أمس الجمعة، للأسبوع الثاني على التوالي، بعد خمس سنوات من الموت الذي عانى منه السوريون على يد النظام وحلفائه وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، أسقط أكثر من 270 ألف قتيل، وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري، وفق منظمات حقوقية. وأثبت السوريون مرة جديدة، بخروجهم في تظاهرات بالآلاف يوم أمس، في محافظات عديدة، أن نزولهم إلى الشارع الأسبوع الماضي، لم يكن مجرد فورة عابرة. وتحت شعار جمعة “تجديد العهد”، خرجت عشرات التظاهرات في جميع مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال وجنوب ووسط سورية، بعد ظهر أمس، في استجابة لدعوة الخروج للتظاهر التي أطلقها ناشطون معارضون للنظام، وهو شعار أراد من خلاله السوريون تجديد عهدهم بعدم التوقف عن التظاهر قبل إسقاط نظام الأسد. ورفع المتظاهرون شعارات ذكّرت بالأيام الأولى من الثورة في عام 2011، إذ عادت المطالبات بإسقاط النظام وبتأكيد استمرار الثورة، إضافة إلى مطالبات بإطلاق سراح المعتقلين وتوحّد المعارضة. كل ذلك يحصل تحت ظلّ علم الثورة السورية، الذي كشف تعاطي قوى الأمر الواقع بعنف إزاء رفعه، دليلاً على أن أعداء الثورة لا ينحصرون في معسكر النظام فحسب.
وبث ناشطون محليون على الإنترنت مقاطع مصوّرة تظهر مئات المتظاهرين في حي السكري بمدينة حلب، وهم يهتفون مطالبين برحيل نظام الأسد. كما بث ناشطون محليون صوراً تُظهر الآلاف يتظاهرون مطالبين برحيل النظام وتوحّد فصائل الجيش الحر في مدن أعزاز والأتارب في ريف حلب. كما خرجت تظاهرات كبيرة في مدن سرمدا وسراقب وسلقين وبلدات حزانو وكفردريان وكفرعويد وجرجناز وأريحا في ريف إدلب، الذي شهد اعتداء عناصر من “جبهة النصرة” على تظاهرة مدينة معرة النعمان. وأفاد ناشطون أن عناصر من “النصرة” قاموا بالاعتداء على المتظاهرين، بسبب رفعهم علم الثورة السورية ذا الألوان الأخضر والأبيض والأسود والذي تتوسطه ثلاث نجوم، محاولين منع رفعه في مقابل رفعهم رايات سوداء مكتوب عليها “تنظيم القاعدة في بلاد الشام”. وشبّه ناشطون حضروا التظاهرة لـ”العربي الجديد”، ممارسات عناصر “النصرة” ضد المتظاهرين في معرة النعمان، بممارسات شبيحة النظام السوري في العام الأول للثورة، حين كانوا يقتحمون التظاهرات ويرفعون علم النظام السوري فيها.وبدا أن هذه التظاهرات أزعجت “جبهة النصرة” وبعض الفصائل الأخرى القريبة منها، التي سارع بعض عناصرها إلى قمع هذه التحركات ومنع رفع علم الثورة السورية، فيما عمدت فصائل أخرى إلى حماية المتظاهرين لمنع أي اعتداء عليهم.
اقرأ أيضاً: تظاهرات “الشعب يريد إسقاط النظام”: استعادة روح الثورة السورية
أما مدينة إدلب المحررة، فقد شهدت حالة من الجمود وتوقف الحركة نتيجة منع اللجنة الأمنية في “جيش الفتح” رفع علم الثورة السورية في تظاهرات المدينة، بعد اعتداء عناصر اللجنة الأمنية على تظاهرة في مدينة إدلب قبل أيام قليلة. وقد رد ناشطون في المدينة على هذا المنع بامتناعهم عن الخروج في تظاهرة ودعوتهم السكان إلى الإضراب، احتجاجاً على ممارسات اللجنة الأمنية في “جيش الفتح” الذي يسيطر على المدينة. وكما في حلب، كذلك في ريفي حمص وحماة، حيث خرجت تظاهرات في البلدات والقرى التي تسيطر عليها المعارضة السورية، كبلدات كفرزيتا والرستن والتلبيسة والحولة، إضافة إلى حي الوعر الذي تسيطر عليه المعارضة غرب مدينة حمص. ولم يمنع الحصار الذي تفرضه قوات النظام على الغوطة الشرقية المحاصرة، من خروج تظاهرات تؤكد استمرار الثورة السورية وتطالب بإسقاط النظام، كما حصل في بلدات عين ترما وسقبا ودوما. وقال الناشط الإعلامي أبو الجود حرب، إن المئات من شباب وفعاليات الغوطة الشرقية خرجوا، ظهر أمس، بتظاهرات في كل من دوما وسقبا وعين ترما، بشكل سلمي، ورفعوا أعلام الثورة، ورددوا شعارات الثورة، مضيفاً أن التظاهرات أكدت إسقاط النظام والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. من جهته، أوضح الناشط الإعلامي أبو وسام الغوطاني، أن جمعة “تجديد العهد” شهدت مطالبات من المتظاهرين بإسقاط النظام وإطلاق سراح المعتقلين الذين يقبعون في سجون النظام، كما رفعوا لافتات طالبوا فيها قادة فصائل المعارضة بالتوحّد في وجه قوات النظام، ووجهوا التحية إلى كافة المدن الثائرة كإدلب وحلب. ولفت الغوطاني إلى أن التظاهرات السلمية خرجت في شوارع الغوطة ولم يعترضها أي فصيل من المعارضة المسلحة.
وكما في بدايات الثورة، لم يتوان النظام عن محاولة استهداف التظاهرات حيث استطاع، إذ قصفت مدفعية تابعة للنظام مسجد الأربعين في مدينة درعا البلد، أثناء خروج المصلين من صلاة الجمعة، ما أدى إلى مقتل إمام المسجد عبادة أبا زيد وجرح شخصين آخرين، ما أجبر الأهالي على إلغاء التظاهرة في البلدة خوفاً من سقوط ضحايا إضافيين بقصف النظام، كما أفاد الناشط الإعلامي مشعل الحريري. في المقابل، شهدت مدينة الحراك وبلدة الغرية في ريف درعا الشرقي، تظاهرات طالبت بإسقاط النظام وإطلاق سراح المعتقلين، وفق الناشط الإعلامي عامر الحوراني، الذي لفت إلى أن التظاهرات خرجت بحماية عناصر من المعارضة المسلحة، لمنع أي اعتداء على المتظاهرين.
العربي الجديد