لم ينتظر النظام السوري انطلاق محادثات جنيف، غداً الإثنين، لبدء مساعيه لعرقلتها وإفشالها، بل استبقها بلاءات وشروط، يوم أمس السبت، عكست قلقه من حصول انتخابات في سورية والتوصل إلى إقرار صيغة للحكم الانتقالي. هذه اللاءات التي رفعها وزير خارجية النظام، وليد المعلم، رأت فيها المعارضة محاولة لوضع المسامير في نعش المفاوضات، وردّت عليها بتوجّه وفدها المفاوض إلى جنيف، لمنع أية محاولة قد يستغلها النظام لنقل كرة العرقلة إلى المعارضة. وفي موازاة هذه التطورات، كانت القاهرة تشهد مناورة جديدة من روسيا التي فشلت سابقاً في خرق وفد المعارضة المفاوض، تمثّلت هذه المرة بدعم تشكيل تيار جديد يدعي حمل عنوان المعارضة.
ووصل، بعد ظهر أمس، إلى جنيف رئيس الوفد المفاوض الممثل للمعارضة السورية، أسعد الزعبي، وكبير المفاوضين، محمد علوش، استعداداً للمشاركة في جولة المحادثات وذلك بعد ساعات قليلة من تهديد المعلم أن وفد النظام سوف يصل إلى جنيف، اليوم الأحد، وأنه لن ينتظر وفد المعارضة أكثر من 24 ساعة، حيث بدا محاولة لنسف المحادثات قبل أن تبدأ.
وكان المعلم قد حاول في مؤتمره الصحافي في دمشق، أمس، إفشال المحادثات قبل أن تبدأ بالقول “وقتنا ثمين، وخلال جولة المفاوضات الأولى في نهاية يناير/كانون الثاني انتظرنا طويلاً ولم يأتوا، وحين أتوا جلسوا في الفندق”، في إشارة إلى وفد المعارضة. وأضاف “يجب أن يأتوا إلى مبنى الأمم المتحدة للحوار وإلا فإن وفدنا سينتظر 24 ساعة، ويعود، لن نضيع وقتنا”. ورأى المعلم أنه “لا يحق” للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا التحدث عن انتخابات رئاسية في سورية، مضيفاً: “لن نحاور أحداً يتحدث عن مقام الرئاسة، وبشار الأسد خط أحمر وهو ملك للشعب السوري، وإذا استمروا في هذا النهج لا داعي لقدومهم إلى جنيف”. وقال إن “الانتخابات البرلمانية هي نص موجود في وثائق فيينا، أما الرئاسة فلا يحق له ولا لغيره التحدث عنها، فهي حق حصري للشعب السوري”، حسب تعبيره. وكان دي ميستورا قال الجمعة، إن انتخابات رئاسية وتشريعية ستجري في سورية بإشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهراً. وقال المعلم إنه “بالعودة إلى الوثائق الأممية، لا يحق لدي ميستورا اقتراح جدول أعمال”، متوقعاً فشل المفاوضات، “إذا كان لدى الطرف الآخر توهم بشأن الإمساك بزمام السلطة”.وأكد علوش في تصريحات لـ”العربي الجديد” أن المحادثات ستكون “لتحقيق انتقال سياسي حقيقي في سورية، وذلك تطبيقاً لما جاء في بيان جنيف والقرار 2254، والقاضي بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية”. ولفت علوش إلى أن “المعارضة جاءت من أجل أن تعيد السلطة للشعب السوري وأن تخلصه من الاستبداد والديكتاتورية التي مارسها النظام السوري طيلة أربعين عاماً”. ووصف تصريحات المعلم بأنها “بهلوانية، وتدل على أن النظام غير جاد بالعملية السياسية”.
تصريحات المعلم رأت فيها المعارضة محاولة لدفن المفاوضات، وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، منذر ماخوس، إن كلام المعلم عن رفض انتقال السلطة ما هو إلا “وضع مسامير في نعش المفاوضات، ولا سيما أن جل المطروح اليوم إلى جانب فك الحصار طبعاً وإدخال المساعدات إلى البلدات المحاصرة هو هيئة حكم انتقالية”. واعتبر ماخوس كلام المعلم عن انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت مظلة النظام أشبه بكارثة كبرى، ورأى أن هذه التصريحات تؤكد أن النظام يدير ظهره لكافة القرارات الدولية.
من جهته، قال المتحدث الآخر باسم الهيئة العليا للمفاوضات، سالم المسلط، في تصريحات لـ”العربي الجديد”: “لو أن المتحدث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لراجعنا الأمر بدقة، لكن القرار في سورية ليس بيد المعلم، إنما بيد روسيا”. وأكد المسلط أن مشاركة المعارضة السورية في الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف 3 نبعت من حرص المعارضة على أرواح السوريين، وسلامتهم، مضيفاً: “قرارنا بالمشاركة جاء لرفع المعاناة عن الشعب السوري، وتقديراً لجهود الأشقاء والأصدقاء، وجهود المبعوث الأممي دي ميستورا الذي يحرص على نجاح مهمته ونجاح العملية السياسية”.
كما رد المنسق العام لـ”هيئة التنسيق الوطنية” حسن عبد العظيم، على تصريحات المعلم، قائلاً لوكالة “فرانس برس” من جنيف التي وصل إليها، إن “النظام السوري لا يريد حلاً سياسياً، لأنه يعرف أن أي حل سياسي وفق بيان جنيف وتنفيذه في جنيف 3 بحضور المعارضة، سيأتي بنظام جديد ويحقق انتقالاً جديداً للسلطة من نظام قديم إلى نظام جديد”. ورأى أن “النظام كان يراهن على عدم حضور المعارضة الى جنيف، لكنها حاضرة وستحضر وتوحد خطابها ورؤيتها واستراتيجيتها التفاوضية”.
في غضون ذلك، كان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يقول إن بلاده ترى أن من الضروري إجراء مفاوضات جنيف في موعدها. ورأى بعد تناوله الإفطار مع نظيره السعودي، عادل الجبير، في قاعدة الملك خالد العسكرية شمال السعودية، أن مستوى العنف “وفقاً لكل الروايات تراجع بنسبة 80 إلى 90 في المائة وهو أمر له دلالة بالغة جداً”.
في موازاة ذلك، أشار كيري إلى أن فرق المراقبين للهدنة ستعقد لقاء اليوم (أمس) مع روسيا في جنيف وعمان. كما أشار إلى أنه سيجري اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول قضية الانتهاكات للهدنة، فيما بات استمرار الهدنة في حكم المؤكد بعد انقضاء الأسبوعين الأولين وتأكيد مصادر المعارضة الموافقة على تمديدها لأسبوعين إضافيين في حين ترى القوى الدولية أن الهدنة بلا سقف زمني.
وجاءت المشاورات الأميركية الروسية فيما من المقرر أن تشهد العاصمة الفرنسية، اليوم الأحد، اجتماعاً جديداً لمجموعة “أصدقاء سورية” يشارك فيه وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، خلال زيارة إلى القاهرة إن الوزراء سيبحثون مدى صمود الهدنة.
من جهة أخرى، أثار تدشين الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربا، لتيار سياسي جديد تحت اسم “الغد السوري”، الجمعة في القاهرة، بحضور عدد من الشخصيات المعارضة السورية، ومندوب عن السفارة الروسية، جدلاً في أوساط المعارضة، ولا سيما أن التيار جاء في إطار تحالف إماراتي مصري، وبرعاية من القيادي الفلسطيني المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان. وكشف مصدر مقرب من الجربا عن اجتماع مصغر مغلق، عُقد أمس السبت، في أحد الفنادق التابعة لجهاز الاستخبارات المصري، حضره كل من الجربا ودحلان، إضافة إلى أحد أبرز قيادات المعارضة السورية المدعومة من نظام الأسد في القاهرة، قاسم الخطيب.
العربي الجديد