ميشيل كيلو – العربي الجديد
لا أحد يذهب إلى مفاوضات خاسرة. ولا أحد يرفض التفاوض، وفي نيته الامتناع عن تحقيق حل، لأن هناك من لا يخدم الحل مصالحه، وليس لأن مصالحه تقتضي أن لا يكون هناك حل، أو لأن ظروف الحل وشروطه غير متوفرة. ولا أحد يختار من ينتدبهم للبحث عن الحلول من غير القادرين على التفاوض، أو غير المؤمنين به، والمؤهلين له.
لا يخدم ميزان القوى القائم اليوم في سورية فرص الحل السياسي. وتقود التشابكات والرهانات الدولية والإقليمية والعربية في اتجاهاتٍ متناقضةٍ، تجعل الحل قليل الحظوظ، إن لم يكن عديمها، وتفرض استمرار الصراع حتميةً لا شك فيها، يصعب معها تحديد موعدٍ تتوقف فيه معاناة السوريين، ويوضع حد لقتلهم بيد نظامهم وحلفائه المحليين والإقليميين والدوليين. وكيف يكون هناك حل، والطرف الآخر يتدفق عليه طوفان سلاحٍ يأتيه من كل حدب وصوب، ويلتحق به المرتزقة من كل فج عميق، بينما الجيش الحر يفتقر إلى كل ما يمكّنه من وقف خساراته، والمحافظة على المناطق التي لم يهاجمها حلف المرتزقة/ الإيرانيين/ الروس بعد، ناهيك عن تغيير موازين القوى لصالحه، مع أن تغييرها شرط لازم لجعل الحل متوازناً، وفي متناول المقاومة العسكرية والمعارضة السياسية.
هل يمكن تحقيق انتصار جزئي، أو محلي، في ظل هذه الأوضاع التي تجعل من الصعب جداً الصمود أمام التحالف الثلاثي السابق ذكره؟ وهل الهدنة هي البديل الأفضل الذي وقع الاختيار عليه، لقرار عربي/ إقليمي حاسم بالمحافظة على الثورة السورية من جهة، وتوفير الأمن للعرب من جهة أخرى؟ وما العمل إذا قرّر الطرف الآخر استغلالها لقضم المناطق المحرّرة، واحدة بعد أخرى؟ هل سينجو السوريون من خلال انتظار غياب باراك أوباما عن كرسي الرئاسة في أميركا، والتمسك بوهم غبي يخال أن بديله في البيت الأبيض سيبدّل سياساته، ليس لأنها لا تحقق لأميركا ما أرادته من إمساكها بمفاتيح الصراع في سورية والإقليم، بل لأنها لا تعجب هذا العربي أو ذاك، وتضحّي بالسوريين؟
تمسّ حاجتنا حاجة السوريين إلى إصلاح أحوال وفدهم المفاوض الذي تمت تسميته، في ظروفٍ وحساباتٍ لم تؤد الغرض منها، وتمس حاجتهم إلى تغيير حسابات داعميهم الذين يستطيعون ما لا يستطيعونه هم: المحافظة على وضعهم الراهن، في مواجهة تحالف المرتزقة/ الإيرانيين/ الروس الذي انتزع مناطق مهمة من الجيش الحر، وبدّل علاقات القوى تبديلاً جدياً لغير صالحه، ويستغل اليوم الهدنة لتفكيكه وبعثرة قدراته، وإدخال اليأس إلى نفوس شعب سورية، بينما يمكن للجيش الحر والمعارضة إفشال أعدائهما، بفضل تمسك السوريين بالثورة ورهاناتها الأصلية، وبإسقاط الأسد الذي عبّروا عنه في كل مكان عبر مظاهرات أيام الهدنة، وما جدّدوه من تصميمٍ على مقاومة أي عدو وكسره، إذا ما توفر لهم ما يدافعون به عن أنفسهم… وعن غيرهم، وما يحتوون بواسطته قوة أعدائهم، تمهيداً لفرض حل يموتون من أجله، ليس رفض مبدأ الحل ولن يكون بديله، خصوصاً إنْ أدخلهم في معارك غير متوازنة، يفرض السلبية فيها على العرب والإقليم حجم الردع الذي يوفره الروس في سورية، ويلقي الرعب في قلوب جميع دولها.
هل يمكن لطرف يقاتل وحيداً، ويتعرّض لخسائر يومية، أن يبني حساباته الوطنية انطلاقاً من مصالح أطراف أخرى وحساباتها؟ هناك إجابتان على هذا السؤال: واحدة علنية، لا يناقشها السوريون، لاعتقادهم خطأ أن مناقشتها تضر بمكانة وفدهم المفاوض وفرص الحل. وثانية تلمح من بعيد، وبأدب جم، إلى ما يواجهه السوريون اليوم من مشكلاتٍ تتصل بأخطاء على علاقة مع وفدهم المفاوض وموقفه من الحل، ومع ما يخشون أن يترتب عليها من نتائج، حاول هذا النص ملامستها: بأدب جم هذه المرة!