إن هذه الثورة التي تعتبر الأكثر كلفة بين ثورات الربيع العربي، لم تبق على براءتها الأولى، كثورة شعب ضد نظام تأسس على الاستبداد والفساد.
لا يجدر بالمعارضة السورية أن تقف عند حدود الحديث عن الرغبات أو الأمنيات فقط، ولا أن تقول ما ترفضه، أو ما يمكن أن تقبله فحسب، وكأنها في كل ذلك قامت بما عليها أو ما هو مفترض منها.
هكذا، ينتظر من هذه المعارضة، بعد خمسة أعوام من الثورة، أن تقف إزاء ذاتها، لمراجعة ونقد مسيرتها وأشكال عملها وخطاباتها، وبالخصوص أن تكاشف شعبها بما تقوم به، في مواجهة التحديات والتعقيدات التي تواجهها ثورة السوريين. مثلاً، مطلوب منها أن توضّح ما تفعله من أجل بناء كياناتها السياسية والعسكرية؟ وهل تفعل ذلك بالطريقة الصحيحة؟ ما تفعله من أجل تنظيم أو إدارة “مجتمعات” السوريين في الداخل والخارج؟ وما تفعله من أجل بناء نماذج أفضل للسلطة في ما يعتبر “مناطق محررة”؟ وأيضاً ما الذي تفعله من أجل استعادة الثورة لبعدها الشعبي ولخطاباتها المتعلقة بالحرية والكرامة والعدالة والتغيير الديمقراطي؟ وما الذي تفعله من أجل تعزيز مكانة السوريين وفرض حقوقهم ورؤيتهم في أي تصور لبناء سوريا المستقبل، بحيث تكون سوريا لكل السوريين بكل أطيافهم ومكوناتهم؟
من ذلك يمكن الاستنتاج بأن المعارضة ليست مجرد صورة أو صوت أو بيان في الفضائيات، وأن ثورة السوريين مازالت تواجه التحدي الأهم المتعلق بإيجاد كيان سياسي يمثل السوريين وثورتهم، ويعبر عنهم.
هذه الأيام ثمة مساران يمكن للمعارضة السورية أن تستفيد من معطياتهما. الأول يتمثل في عودة الروح إلى مجتمع السوريين في كافة أنحاء سوريا، واستعادة ثورتهم لطابعها الشعبي والسلمي، وهو ما يمكن تبيّنه من المظاهرات التي اندلعت يومي الجمعة الماضيين، بعد تراجع حدة القصف الجوي، نتيجة فعاليات الهدنة، ما يؤكد أن هذه الثورة في جوهرها هي شعبية وسلمية، وأن التوجه لحمل السلاح لم يكن خياراً، وإنما جاء نتيجة دافعين، أولهما، انتهاج النظام لأقصى العنف، وثانيهما، التدخلات الخارجية المضرة. هذا يفيد بأن على المعارضة أن تستثمر في هذا الاتجاه وأن تشتغل على تطويره، وضمنه أن تشتغل على توضيح ذاتها باستعادة خطاباتها الأولى، كثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة والتغيير الديمقراطي.
أما المسار الثاني، فيتعلق بالمفاوضات الجارية في جنيف، خاصة أن المبعوث الدولي، ستافان دي مستورا، أكد بوضوح أنها ستركّز على الحوكمة وصوغ الدستور، وصولاً إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، وأن الملف الإنساني؛ وقف القتال ورفع الحصار، بات محسوماً (طبعا تتبقىّ مسألة الإفراج عن المعتقلين) وأنه لا يوجد مدى زمني لوقف إطلاق النار، وأن المهم تحقيق الانتقال السياسي، وهذا كلام مهم جداً، ولا سيما مع تأكيد ديمستورا أن المفاوضات تجري وفقا لإعلان جنيف 2012. ويستنتج من ذلك أن المفاوضات هي مرحلة مهمة في الصراع السوري، ويمكن أن تفيد بتعزيز الكيان السياسي للمعارضة، عند السوريين، وفي العالم، كما يمكن أن تفيد بالتعويض عن الخلل في موازين القوى، عبر تجنّب الصراع المسلح الدامي والمدمر، والذي لا يفيد إلا النظام وحلفاءه، لأنهم من يملك الطيران والمدفعية والصواريخ وقوة النيران.
الآن، من الواضح، ومع دخول الثورة السورية عامها السادس، إن هذه الثورة التي تعتبر الأكثر كلفة بين ثورات الربيع العربي، لم تبق على براءتها الأولى، كثورة شعب ضد نظام تأسس على الاستبداد والفساد، إذ تواجدت طبقات أخرى.
أولها؛ إدخال أطراف خارجية على خط الصراع، أي إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية.
وثانيها؛ دخول أطراف عربية وإقليمية على الخط، للسيطرة على الثورة والتحكم بتداعياتها، بحيث بتنا أيضا إزاء صراع إقليمي على سوريا.
وثالثها؛ الناجم عن الطبقتين المذكورتين بظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة المحسوبة على “القاعدة” وأخواتها، أي جبهة النصرة وبعدها داعش، وهذه طبقة تم تصنيعها، ولكنها مع الزمن اكتسبت ديناميتها الخاصة.
وطبعا ثمة طبقة رابعة؛ دخول الولايات المتحدة وروسيا على الخط مع اختلاف أجندة كل منهما. على ذلك فإن المشكلة هي أن هذه الطبقات باتت تخنق الطبقة الأولى أي الثورة السورية وتضعف صدقيتها أو شرعيتها، ما يعني أن مهمة المعارضة هي استنهاض هذه الطبقة من الصراع.
العرب