وُلدت اللاجئة السورية “أسمى زهرة” مصابةً بمرض غريب يسميه الأطباء “المرض البلوري”، الذي يجعل المصاب به أشبه بلوح زجاجي عرضةً للتهشم لدى أدنى اصطدام.
ورغم ظروفها الصحية الصعبة ومعاناتها الشديدة استطاعت أسمى التحرر من سجن الجسد ونظرة بعض الناس القاصرة إلى المعاق والانطلاق إلى فضاءات الفعالية وإثبات الذات عبر شخصيتها المتفائلة وطموحها غير المحدود وقدرتها على التحدي ورغبتها في العطاء.
(أسمى زهرة)
ولم تُثنها الإعاقة عن إبراز إمكاناتها ومواهبها في أشغال الصرما والتطريز التي تحولت بين يديها إلى لوحات فنية تنطق بالإبداع والجمال، وتحوّل عملها في هذا المجال من مجرد هواية ورغبة في ملء الفراغ إلى وسيلة لكسب لقمة العيش لها ولعائلتها في ظروف اللجوء حيث تعيش في مدينة إربد الأردنية، وتفتقر إلى المعيل إذ أن أكثر أفراد عائلتها مصابين بذات المرض الذي يجعل المصاب به غير قادر على تحريك قدميه وتصبح حركة يديه محدودة مع ميلان الجسد، وهو داء وراثي في بنية العظام كما جاء في بعض التقارير الطبية.
(أسمى زهرة وبعض أعمالها في التطريز)
ولدت أسمى في كنف أسرة فقيرة الحال فوالدها الراحل كان عامل بناء قضى عمره في رعاية الأسرة والاهتمام بها، وكانت الأم الراحلة أيضاً تعمل في حياكة الملابس وبيعها لتمد الأسرة بدخل إضافي.
تقول محدثتنا لـ”اقتصاد”: “لدى ولادتي شاء القدر أن أكون مصابة بمرض وراثي غريب يسمى “المرض البلوري” الذي ينتج عنه تهشُّم كلي للعظام ويبدو المصاب به كطفل صغير مهما تقدم به العمر”.
وتضيف الشابة المصابة: “واجهت الكثير من المصاعب والمعاناة اليومية من ناحية الألم الذي لم يكن يفارقني من جرَّاء الكسور التي كنت أتعرض لها ولا أزال، فأصحاب هذا المرض الغريب معرضون دائماً للكسور والتهشم في العظم كما الزجاج تماماً”.
“أسير على مقعدي المتحرك وكأنني أحمل بين ضلوعي بللوراً أداريه كثيراً خوفاً من الكسر والتحطم وكأنني نافذة أو باب زجاجي متحفز يقظ من أي إصابة خارجية تكون نهايتها تهشم عظم أو ضلع أو مرفق”، هكذا وصفت الشابة أسمى حالتها الصحية مضيفة: “هذه الحالة كانت ترافقني كل شهر أو شهرين مما يضطرني إلى ملازمة فراش المرض حتى أتماثل للشفاء لأعود للإصابة ثانية”.
ومما زاد في ألم ومعاناة اللاجئة الشابة أن ثلاثة من أشقائها أصيبوا بهذا المرض مع اختلاف في مظاهر الإصابة وهم-كما تقول- “بدر الدين” و”طاهر”، اللذين أصيبا بتشوه مع ضمور وقصر في الطرف السفلي الأيسر وكسر في منتصف الفخذ الأيمن، و”خيرات” المصابة بتشوه في العمود الفقري مع تحدب في الصدر وضمور في الأطراف السفلية ونقص النمو وجميعها-كما تؤكد أسمى- ناتجة عن مرض وراثي، ورغم ذلك عاش الأخوة حياة سعيدة وسط أسرة متفاهمة كادحة أكثر أبنائها مصابون بمرض غريب ونادر قبل أن يداهمهم شبح الحرب ويشرّدهم.
تتنوع الأعمال اليدوية التي تقوم بها “أسمى زهرة” ما بين شغل الصرما والتطريز اليدوي وشك الخرز وبدلات الشك، وقد تعلمت هذه الحرفة كما تقول- من والدتها وأتقنت بعد ذلك أصول الصرما لدى معلمة خاصة، وتضيف: “بعد فترة من التعلم بدأت أطور ذاتي ولاسيما أنني أحببت هذه الأشغال اليدوية وبدأت أتقنها وأتفنن فيها بشكل ملحوظ وبشهادة الآخرين وذلك من خلال الإقبال على هذه الأعمال وشرائها ورغبة الزبائن فيها من خلال التواصي الخاصة التي تأتيني بين الفينة والأخرى ليكون مردودها معيناً لأسرتي في ظروف اللجوء وافتقار العائلة إلى معيل وتخلّي الجمعيات والمنظمات الإغاثية عنا”.
تمتلك الشابة المبتلاة أنامل ذهبية تحوّل القماش الخام إلى لوحات تنطق بالإبداع والإحساس الفني الصادق، ومن خلال مشغولات “الصرما” و”الكنفا” التي تطرزها على نول خشبي صنعته بنفسها.
(بعض أعمال أسمى زهرة في التطريز)
وحول طبيعة ومراحل الصرما التي تنفذها تقول: “أقوم أولاً باختيار الرسمة المراد تنفيذها على الثوب أو القطعة من “الكاتلوج” وبعد تصغيرها أو تكبيرها حسب مكان تنفيذها أرسمها على الورق وأطبع الورقة على القماش”.
وتضيف: “أجلب بعد ذلك قطعة من الكتان وأشدها على النول لتنفيذ الرسمة على قطعة جلد وأشدها وأقطبها فوق القماش المشدود على النول وأثبت الصرما من الجهتين وأشكها على الطريقة التي تظهر فيها جميلة”.
وتؤكد أسمى أنها أدخلت على هذه المهنة التقليدية الجميلة بعض أشكال التطوير ومن ذلك حشو عناصر الصرما بالقطن والحياكة حولها ويتم التفنن في شكل القطعة أو رسومها حسب الذوق أو الحس الفني.