تمضي المرأة السورية في الأردن معاناة متزايدة يوماً بعد يوم، فعبء مسؤولياتها كربّة للمنزل، ومربية لأطفالها، ووجع الحرب وخسارة وطنها من جهة، ولعب دور الرجل في كثير من الأحيان، من جهة أخرى، يثقل كاهلها ويعمق من مرارة اللجوء.
أوجدت الحرب الكثير من النساء السوريات اللواتي فقدن أزواجهن شهيداً أو معتقلاً أو مرابطاً يدافع عن الوطن، مما اضطر المرأة السورية للعمل، وذلك لتأمين حاجاتها اليومية والضرورية، وباتت – جراء ذلك – تعاني مختلف أشكال الاستغلال والفشل في كثير من الأحيان، ومردُ ذلك قلة الخبرة أو انعدامها، في إدارة النشاطات الاقتصادية، وافتقار المرأة السورية للكثير من المعلومات عن السوق واحتياجات ورغبات المستهلكين والتعامل مع المنافسين، وغياب الدعم لمثل هذه النشاطات مادياً ومعنوياً.
وفي مبادرة لتمكين المرأة السورية ودعمها وتدريبها ومنحها الخيارات والفرص المناسبة، التي تتلاءم ووضعها كربة بيت ومعيلة لأسرتها، قدمت مؤسسة “الشرق الأدنى” مشروعاً تحت عنوان “الاستجابة للاحتياجات الأساسية للفقراء السوريين والأردنيين”، يهدف إلى تزويد السيدات المشاركات في المشروع بالمهارات والمعارف الضرورية والأساسية التي تمكنهن من إدارة نشاطات اقتصادية منزلية مدرة للدخل، ودعمهن مالياً.
عائشة هي إحدى الللاجئات السوريات المستفيدات من المشروع، اضطرت للعمل بعد وفاة زوجها، تؤكد حصولها على الدعم من القائمين على المشروع، الذي منحها الجرأة والقدرة في إدارة مشروعها الصغير، من خلال التخطيط الجيد المبني على خطة عمل واضحة، إضافة إلى آلية تسويق مجدية.
القائمون على المشروع من مؤسسة “الشرق الأدنى”، أوضحوا أن هدف هذا المشروع هو دعم الفئات المستضعفة من الأسر التي تمتلك أفكاراً لمشاريع منزلية صغيرة، ولكن ينقصها الدعم والتوجيه.
وأشار خالد وليد، وهو مدير المشروع، إلى كيفية اختيار النساء المشاركات من خلال إجراء زيارات ميدانية ومقابلات فردية، تهدف إلى تقييم احتياجاتهن، ومن ثم إخضاعهن إلى برنامج تدريبي متكامل، يقدم للمرأة المعرفة الأساسية بسوق العمل، وآلية التسويق والتسعير والجوانب المالية والفنية والإدارية للمشاريع الصغيرة، والمنافسين وكيفية التعامل معهم.
وفي هذا السياق، أكد مدير المشروع لـ “اقتصاد” بأن المرحلة التي تلي التدريب وتلقي الدعم المادي هي مرحلة التقييم والمتابعة من قبل المدربين، وتقديم الدعم التي تحتاج له المستفيدة لإنجاح مشروعها وحمايتها من الاستغلال، موضحاً بأن الدعم المادي كان بمعدل 300 دينار أردني بما يعادل 400 دولار.
وتقول السيدة أم رامي، وهي إحدى المشرفات على التدريب، بأن المشروع ساعد النساء لاكتشاف مهاراتهن، وتحديد الفكرة الأنسب للعمل عليها، وبما أن المشروع يستهدف عدداً من الجنسيات المختلفة، “فقد عملنا أيضاً على جانب دمج النساء اللاجئات مع النساء الأردنيات من خلال إقامة المعارض والبازارات المشتركة لعرض منتجاتهن”.
وأكدت أم رامي بأن المؤسسة تعمل على إقامة اجتماعات دورية مشتركة لتعزيز الاندماج وتبادل الخبرات والمعلومات والتحديات ولخلق بيئة تسويقية مشتركة بين النساء المستفيدات.
أم عماد، وهي لاجئة سورية، تقطن في محافظة الزرقاء، التي تعد من أكثر المناطق ذات الكثافة السكانية باللاجئين السوريين، وهي زوجة لرجل مصاب، تمنعه إصابته من القدرة على العمل، أمست أم عماد معيلة لخمسة أطفال، وكانت مثالاً ناجحاً للمشروع المقدم من المؤسسة ونموذجاً لفئة من اللاجئات التي أودت بهن الظروف إلى سوق العمل وإعالة أسرهن تحت وطأة الحاجة والاستغلال.
وقد بدأت أم عماد بإنتاج أقراص الكبة الشامية وبيعها لجيرانها بشكل عشوائي، وقد فشلت في كثير من الأحيان في حساب أرباحها لتكون خاسرة رغم تعبها، وبعد خوض تجربة التدريب المقدم من المؤسسة، أخبرتنا أم عماد كيف أعادت دراسة مشروعها، وتنسيقه بخبرة ومعرفة أكثر بكيفية ااحتساب الكلف المالية والتسويقية، ودراسة بيئة العمل والمنافسين، لتعود وتطور مشروعها إلى إنتاج مختلف أنواع الطعام السوري وبيعه، وقدرتها على جني مال يكفي لتغطية المصاريف اللازمة لعائلتها.
يشير تقرير نشر على موقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تحت عنوان “نساء بمفردهن” إلى أن أكثر من 145 ألف امرأة سورية في بلدان اللجوء يدرن أمور بيوتهن ويعملن على تأمين أجرة المنزل وتكاليف إعالة أسرهن تحت ظروف صعبة وانتهاكات.
وفي دراسة أخرى لمنظمة “كير” العالمية، أشارت الدراسة إلى أن 28% من العائلات السورية اللاجئة تقودها امرأة، منها 35% تعمل فيها ربة الأسرة غالباً في الأعمال المنزلية.
وفي سياق متصل، نشرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية تقريراً يوضح بأن عدد السوريين في الأردن قد بلغ 1.3 مليون سوري غالبيتهم من النساء والأطفال، أقل من 10% منهم يقطن داخل مخيمات اللجوء، وفقاً للإحصاء الذي قامت به الحكومة الأردنية مؤخراً.
وهكذا تُترك المرأة السورية اللاجئة بين فصول طويلة من المعاناة، فهي أمست بين مطرقة اللجوء ومرارة الغربة، وسندان الحاجة إلى التكيف مع الوضع الحالي، فهي تحمل تركة كبيرة، وهماً ثقيلاً، يتمثل بتحمل مسؤولية مصاريف بيتها وتربية أطفالها، فهل لهذه المعاناة أن تنتهي؟، وهل بات أمل العودة إلى بيتها في وطنها الأم حلماً بعيداً!!
اقتصاد مال واعمال السوريين