تجمهر الناس أمام مكتب اللجنة المنتخبة حديثاً، جاؤوا بالعشرات واصطفوا في دور طويل ليستلموا حصصهم الغذائية التي قدمتها الأمم المتحدة.
عددهم يتجاوز الألف من أسر داريا التي نزحت منذ سنتين من المدينة واستوطنت بلدتهم الثانية معضمية الشام. احتشدوا في دور منظم، وفجأة أفسح الرجال المحتشدون الطريق، لتمر مجموعة من النسوة أتين يستلمن المعونة الغذائية، فقد تعارف الناس هنا على أن النساء أولاً، لأن “العرض غالٍ”.
لكن العمل كان بطيئاً، وتململ الناس وربما تلفظ بعضهم بعبارات الاستياء، وكان لهؤلاء قصة، نستعرضها في التقرير التالي:
البعد عن براميل الموت
معظم الأسر التي كانت تقطن مدينة داريا نزحت منها لتقيم في الجارة القريبة معضمية الشام منذ عقدت الأخيرة هدنة مع النظام في بداية 2014.
ومع اشتداد حملة البراميل التي لم ترحم الكبير ولا الصغير كان الأهالي يتوافدون إلى المعضمية حيث استقبلهم إخوانهم وفتحوا لهم بيوتهم.
أبو بلال (53 عاماً)، أوضح لـ “اقتصاد” أنه يقيم وأسرته المكونة من ستة أشخاص في المعضمية منذ سنتين تقريباً.
ويواصل أبو بلال حديثه بالقول: “كنت أعمل مزارعاً في داريا رغم الحرب الدائرة في مدينتي، كان المحصول يدر علي بعض الأموال إضافة لتأمين قوت أسرتي”.
واضطر أبو بلال لترك مدينته وعمله، حيث نزح إلى المعضمية، “الجارة الشقيقة التي آوت غيري من الأسر التي هربت من البراميل والقصف الشديد”، يقول أبو بلال.
الفصل بين المدينتين
أدت المعارك التي احتمدت على الخط الفاصل بين داريا وشقيقتها المعضمية إلى سيطرة جيش النظام على طريق مروان ليتم الفصل نهائياً بين المدينتين.
وإضافة لمئات المقاتلين، تضم مدينة داريا في الوقت الحالي عشرات الأسر من المدنيين الذين لم يتمكنوا من النزوح، أو آثروا البقاء في المدينة معرضين للخطر في كل لحظة.
ولكن زخم الأهالي تركز في المعضمية حيث يعيش اليوم في المدينة بضعة آلاف منهم استقبلتهم معضمية الشام برحابة صدر.
“قال لنا المعاضمة من يوم أغلقت داريا وفصل بين المدينتين أنتم إخواننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا”، يقول أبو محمود (44 عاماً).
ونزح أبو محمود منذ سنة تقريباً ليعمل في محل تجاري عندما كان معبر المعضمية مفتوحاً، وليبقى بلا عمل كمعظم مدنيي داريا والمعضمية في الوقت الراهن.
ويوضح أبو محمود خلال حديثه لـ “اقتصاد” أنه كان في حيرة من أمره عند اشتداد المعارك التي أدت للفصل بين المدينتين، فهو يقول: “لقد احترت طويلاً بين البقاء في المعضمية، وبين العودة بأسرتي وأطفالي إلى المدينة، لكني آثرت البقاء هنا لأنني مدني وقد أشكل عبئاً على المقاتلين في داريا”.
لجنة لرعاية أهالي داريا
في زخم الأحداث المتسارعة شكل نازحو داريا لجنة خماسية أسموها لجنة الأهالي. وانُتخبت اللجنة لترعى شؤون الناس وتقوم على مصالحهم بالتعاون مع الفصائل والمؤسسات الثورية في معضمية الشام.
“اقتصاد” زار مكتب اللجنة ليتعرف على هذه المبادرة التي تشكلت باستقلالية تامة بعيداً عن كل الأطراف الثورية سواء في داريا أو في غيرها من المدن.
اللجنة الخماسية صرحت لـ “اقتصاد” بأنها جمعية مستقلة شكلت مؤخراً بتفويض من أهالي داريا القاطنين في المعضمية لترعى مصالحهم وتكون المسؤولة عنهم.
وأضافت اللجنة: “بعد عملية الانتخاب قمنا بالتواصل مع جميع الهيئات والفصائل في مدينة معضمية الشام حيث رحب بنا الجميع وقدموا لنا يد العون وكان أفضل ما ساعدونا فيه هو توزيع السلل الإغاثية وأكياس الطحين للأهالي”.
وحول علاقتها بالمجلس المحلي في مدينة داريا نفت اللجنة تبعيتها للمجلس، مؤكدة أنها جمعية “مستقلة تماماً وهدفها الرئيسي هو رعاية 1200 أسرة من مدنيي داريا الذين استوطنوا المعضمية”.
وصرحت اللجنة: “ليس لنا علاقة بمجلس داريا ونرحب بأي يد تمد بالعون لأهالينا المنكوبين”.
وأكدت لجنة داريا أنه تم توزيع أكياس من الطحين لجميع الأسر الموجودة، مضيفة أن عدداً مماثلاً من الوجبات الغذائية ستوزع في اليومين القادمين.
وفي النهاية، شكرت اللجنة جميع الفصائل والقوى العاملة في معضمية الشام وعلى رأسها المجلس المحلي ومكتب الأمن والألوية العسكرية.
اقتصاد مال وأعمال السوريين