الإثنين ، 8 فبراير 2016 ، الساعة 4:02 بتوقيت مكة المكرمة
الرئيسية / مقالات / هل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا امتداد لفصائل الثورة السورية ؟

هل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا امتداد لفصائل الثورة السورية ؟

داعش

على عكس الشائع، فان تنظيم الدولة اعتمد على تحالفات محلية لينشأ ويتمدد في المحافظات السنية السورية، كل منطقة حسب طبيعة تكوينها.. فكثير من قيادات تنظيم الدولة الذين مكنوه من التوسع في سوريا، هم قادة سابقون في الجيش الحر والمجالس العسكرية الثورية وناشطون بارزون في حراك الثورة السورية، أو جهاديون سوريون في سجون صيدنايا، في وقت لم يكن فيه لتنظيم الدولة وجود.
ثوار ثم جهاديون..
في حمص عاصمة الثورة، فإن الساروت وهو من أهم رموز الثورة السورية، لم يكن وحيدا بانضمامه لتنظيم الدولة، فقد سبقته مجموعات من مقاتلي عشيرته البدوية النعيم، وهي من أكبر عشائر حمص، كما أن كتائب الفاروق الأبرز في بدايات الثورة بحمص، انضم الجزء الاهم منها للتنظيم. كما أن عددا من ناشطي الثورة البارزين كأبو يزن الحمصي انضم للتنظيم مبكرا قبل أن يقتل في هجمات شنتها الفصائل على التنظيم.
في منيج وجرابلس، وهما من أبرز معاقل التنظيم في ريف حلب، فإن من يقود تنظيم الدولة اليوم هم انفسهم قادة المجلس العسكري الثوري السابقين. وفي دير الزور قتل قبل أسابيع قائد عسكري لتنظيم الدولة، وهو الرائد العبدالله الذي كان في بدايات الثورة قائد المجلس العسكري الثوري في دير الزور.. وفي دير الزور أيضا فإن أبرز قادة التنظيم مثل عامر الرفدان، وصدام الجمل، كانا من قادة الجيش الحر وتحالفت عشائرهما مع التنظيم في معاركه مع عشائر من فسة، أما الشعيطات الذين كان الصدام معهم هو الاكثر دموية، فإن من تصدر المواجهة من طرف التنظيم هو أبو علي الشعيطي المنتمي لتنظيم الدولة، وهو من أبرز وأسبق ناشطي الثورة السورية والتنسيقيات في دير الزور، الذي قاد جيش العسرة مع الجيش الحر لمؤازرة القصير خلال حصارها من قبل النظام.
في إدلب والقلمون فإن عددا من الكتائب المسلحة المؤثرة بايعت التنظيم مبكرا كلواء داوود، الذي كان كتيبة أساسية في صقور الشام، بزعامة أبو عيسى الشيخ قائد أحرار الشام اليوم. وفي ريف الحسكة فإن معظم من يقاتل في صفوف التنظيم هم أنفسهم عناصر فصائل الجيش الحر من مقاتلي القرى العربية التي تعيش أزمة تهديد متواصل من الميليشيات الكردية اليسارية.
في ريف حماة فإن طيبة الإمام، وهي أكثر القرى السورية تفوقا علميا ورفعة في المستوى التعليمي، باتت من أكبر معاقل التنظيم، فقد انضم المئات من ابنائها لتنظيم الدولة مبكرا، خاصة أن عددا من قادة ريف حماة كان قد خاض التجربة الجهادية في العراق، وأسس أولى الفصائل المسلحة بريف حماة، التي بدأت مبكرا بشن هجمات على النظام بعد ثلاثة أشهر من انطلاقة الثورة..
كما أن مشاريع التنظيم الإعلامية والصحية الكبرى، أسسها شبان من اوائل الثوار السوريين في ريف حماة وحلب، فكلية الطب التي اعلن عنها التنظيم في الرقة هي فكرة ثلاثة طلاب طب من ريف حماة، كانوا أطباء في مشاف ميدانية لعلاج فصائل الجيش الحر. أما أهم مؤسسة إعلامية للتنظيم وهي، «وكالة أعماق» فقد أسسها الناشط الحلبي مشعل ريان وسبعة من رفاقه من كادر «وكالة حلب نيوز» التي أسسها ناشطو التنسيقيات الثورية، قبل أن ينحاز ريان ورفاقه للتنظيم حين تعرض لهجوم من فصائل في حلب.
في درعا بات لواء شهداء اليرموك وهو من أوائل فصائل الثوار في درعا الحليف الأبرز لتنظيم الدولة، وهو مثال آخر على الكيفية التي تتشكل فيها لوحة التنظيم من فسيفساء محلية في كل محافظة.
تحالفات العشائر
كثير من نزاعات تنظيم الدولة والفصائل الاخرى هو امتداد لنزاع محلي في المجتمع السني السوري بخلفيات عشائرية أو مناطقية، أو حتى بين تيارات إسلامية سورية.
أما أكبر المعارك الدموية التي شنها التنظيم ضد النصرة والعشائر المنافسة في دير الزور، فكانت معارك عشائرية بأوجه فصائلية، فالتنظيم اعتمد على دعم عشائر وقادة جيش حر سابقين، كصدام الجمل في القائم، وعامر الرفدان الذي انتقل من الجيش الحر للنصرة، ثم الدولة وحشد عشيرته البكيل في جديدة عكيدات لقتال عشائر متنافسة معها في الشحيل، وهو نزاع محلي بين عشائر الشحيل وجديدة عكيدات حول معامل الغاز وآبار النفط، شهد الكثير من المواجهات بينهما قبل ظهور تنظيم الدولة. والرقة قصتها لا تختلف كثيرا من حيث تحالفات التنظيم العشائرية.

نزاعات قديمة داخل الساحة الجهادية في سوريا

ففي الرقة وحلب وهما كبرى «الولايات» في سوريا فإن قادة التنظيم هما جهاديان سوريان معروفان هما أبو الاثير الحلبي وابو لقمان، والنزاع بينهما وبين باقي قادة الفصائل الجهادية السورية كالاحرار والنصرة، نزاع قديم يمتد لخلافات «الجهاديين الشاميين الداخلية» في سجن صيدنايا، حيث لم يكن وقتها من وجود لا لتنظيم الدولة ولا لجهاديين خارج سوريا، وعندما التقيت أبو الاثير الحلبي قبل عامين في كفر حمرا بريف حلب، كان جل حديثه عن فتاوى التكفير المتبادلة بين قادة الفصائل منذ ذلك الوقت داخل السجن، وكيف قرر أغلبية السلفيين في السجن وبعد معاناة «الاستعصاء» الشهير حينذاك، إيقاف التمرد وتسليم أنفسهم لقوات ماهر الأسد، وبقيت مجموعة ابو الاثير التي قتل معظمها عند اقتحام قوات الاسد.
لم يكن وقتها سبب هذا الخلاف تنظيم الدولة أو جهاديين من خارج سوريا، انما خلافات اخوة العائلة الجهادية تتكرر بمظاهر فصائلية اليوم ويجيرها كل طرف لصالحه بعد أن يعطيها لبوسا شرعية.
نزاعات جهوية مناطقية بين الفقراء والأكثر فقرا

في ريف دمشق كان آخر حدث بارز هو سيطرة تنظيم الدولة على مخيم اليرموك، وفي الحقيقة فإن تنظيم الدولة الذي دخل مخيم اليرموك لم يكن إلا مقاتلي حي الحجر الاسود الفقير الملاصق للمخيم، هم من عشيرة البحاترة النازحة من الجولان، كانوا منضوين في عدة فصائل للجيش الحر كلواء الحجر الاسود في بدايات الثورة، ولأهل مخيم اليرموك حساسيات قديمة منذ عقود مع سكان الحجر الأسود، رغم أنهم يشتركون في الفقر والنزوح.. بعد سيطرة التنظيم على المخيم يحدثني أحد مقاتلي مخيم اليرموك الناقمين على تنظيم الدولة، ببيان أن سبب المشكلة هم «داعش كلاب أهل النار»، وختم حديثه بأنه يكره «داعش» لأنه يعتبر أن أهل الحجر الأسود «لو كلاس»، واهل اليرموك «هاي كلاس»، عندما تسمع هذه المقاربة تعرف كيف نجح الاسد بحكم اغلبية سنية حولها لاقلية مبعثرة بلا رابط يجمعها، حتى في اكثر المجتمعات فقرا، وما زال النظام يستفيد من عبثه بوعي الكثيرين في المناطق السنية بعد أربع سنوات من عمر الثورة.
أما القصة الأكثر سريالية للنزاع بين رفاق السلاح وأخوة الثورة في الريف الدمشقي فقد تجلت عندما أعلن جيش الاسلام اعتقال قائد «الدواعش الارهابيين» في القابون برزة وهو منذر سلف.. لتملأ الاعلام العربي وقتها صور لمقاتل يشبهه بشعره الطويل وهو يصافح ضابطا في النظام، كدليل على نظرية ارتباط النظام بـ»داعش» بعد أن ظننا أن الوعي الجمعي قد تجاوزها، باعتبارها مناكفات فصائلية يرددها جمهور الفصائل المتنازعة إلى أن يكتشف في كل مرة أنها ليست سوى ترهات، وبالفعل ظهر الرجل الشبيه في مقطع فيديو ليتبين أنه شبيح من حماية مطار أبو الظهور بإدلب، وليس قائد «داعش» منذر سلف، الذي اعتقل بريف دمشق.. أما «الداعشي العميل للنظام» منذر سلف فهو كما وصفه ناشط من غوطة دمشق «قيادي سابق في فصائل الثوار بالغوطة، لم يترك جبهة بريف دمشق الا وقاتل فيها النظام ، ومن اوائل ثوار حي ركن الدين الدمشقي «.
يعتقد كثيرون أن ما يميز تنظيم الدولة هو دور الجهاديين الاجانب وممارسات عناصره المتشددة في قطع الرؤوس مثلا، فأما قطع الرؤوس لجنود النظام فهي ممارسات تقوم بها كل الفصائل الجهادية من النصرة لأحرار الشام لجند الخلافة وغيرها، ولكنهم لا ينشرونها في اصداراتهم، والفصائل الاسلامية المعتدلة والجيش الحر تقوم بالكثير من الممارسات المشابهة، وهذا أمر لا يمكن ضبطه في ساحة حرب اهلية متوحشة، وربما قد يستغرب البعض إذا عرف أن فصائل المعضمية الاكثر اعتدالا قطعت رؤوس 13 جنديا ومجندة معظمهم من قناصي النظام في ساحة عامة بالمعضمية قبل أشهر وسط حضور الأهالي الناقمين، تماما كما يفعل تنظيم الدولة، لكن الفرق هو الاعلان، لذلك فان هذه الممارسات المتطرفة ليست حكرا على جماعة ما، بل تصبح جزءا من سلوك اي فصيل يخوض صراعا اهليا متوحشا، سواء كان جهاديا او غير ذلك، حتى إن كان غير إسلامي، كما فعلت التنظيمات اليسارية والمارونية في لبنان خلال الحرب الاهلية.. بل حتى الدولة الخليجية الكبرى التي تحارب الجهاديين وتدعم «الفصائل المعتدلة» في سوريا ما زالت تنفذ أحكام قطع الرؤوس في الساحات العامة بشكل رسمي حتى اليوم. وحتى لا يذهب البعض بعيدا في التهويل من انتهاكات الجهاديين فإن الاحصائيات تشير إلى أن العام الاخير شهد مقتل نحو ألف مدني على يد تنظيم الدولة والنصرة معا، بينما بلغ عدد ضحايا الفصائل الاسلامية الاخرى والجيش الحر الفاً ومئتي مدني.. رغم أن كل هذه الفصائل لا تسيطر على اكثر من ثلث مناطق المعارضة. اما الدور الاجنبي فهو حاضر عند كل الفصائل سواء كانوا ممولين حكوميين من انظمة عربية وغرف تسليح وضباط مخابرات غربية، او حتى كجهاديين عرب واسلاميين يقاتلون إلى جانب فصائل اسلامية وجيش حر في بعض الاحيان.. وطبعا مادام الاجانب خارج المشروع الجهادي الكبير فلا يشار اليهم بالارهابيين، مثلا كان أبرز القضاة الشرعيين لـ»صقور الشام» التي انضوت في «أحرار الشام» كان جهاديا مصريا، وكثير من الانتصارات المهمة التي حققها الثوار على النظام في إدلب وحلب، شارك بدور كبير فيها مقاتلون جهاديون من الشيشان والتركمانستان، كما حدث مؤخرا في جسر الشغور وقبلها الملاح في ريف حلب الشمالي، عندما لعبت جماعة المهاجرين والأنصار دورا كبيرا في صد تقدم قوات النظام الذي كاد يحاصر حلب، وأذكر انني سألت قائد إحدى الكتائب الخاصة المعروفة بالاقتحامات، عن كيفية تمكنه من إخفاء وجود مقاتلين شيشان في كتيبته، التي تلقت دعما من فصيل مرتبط بغرف التسليح الخليجية لعدة اشهر، قبل أن تنفصل وتعلن هويتها الجهادية، فقال «إن فصيل الجيش الحر استفاد من قوته على الارض وقدم نفسه كفصيل بارز ميدانيا ليتلقى دعما من غرف تسليح من دون أن تعرف بوجود جهاديين أجانب يكنون عداء كبيرا لتلك الانظمة».
طبعا هذه الحالة لا يمكن تعميمها على معظم فصائل الجيش الحر التي أسهمت بدور كبير في مقاتلة قوات النظام، وقدمت تضحيات كبيرة من ابناء القرى والارياف، قبل أن يلتحق مع الفصائل الثورية مقاتلون جهاديون ليشكلوا حلفاء لسنة سوريا أمام حلفاء النظام الشيعة من مقاتلين من ايران والعراق ولبنان.. مع الفرق أن الاخيرين تدعمهم انظمتهم ولا تعتبرهم دواعش ارهابيين.
فصائل الجبهة الاسلامية التي شكلتها كبرى الفصائل السورية كالتوحيد والاحرار وجيش الاسلام والصقور، تلقت دعما ماديا وتسليحيا من الدول الاقليمية، وبعضها كان من شخصيات سلفية خليجية، اضافة للدعم الذي تلقته فصائل اركان الجيش الحر من غرف التسليح الحكومية والغربية.اذن فاكثر الفصائل التي هي على خلاف اليوم مع التنظيم لها ارتباطات غير سورية تبدو عميقة في المنظومة، الإقليمية الحكومية العربية والغربية في بعض الاحيان، بينما استطاع «تنظيم الدولة» وشقيقه النصرة من الاحتفاظ باستقلالية كبيرة عن الخارج، عن الانظمة واجنداتها وتمكنا من بناء قدراتهما ذاتيا واعتمادا على حلفائهما المحليين من قوى المجتمع السني في العراق وسوريا.. وأصبح من المفارقات أن يوصف ارتباط فصيل ثائر سوري بانظمة معادية للاسلاميين قامت الثورات العربية من اجل اسقاطها، يوصف بانه ارتباط ثوري لا يخرج الفصيل عن انتمائه السوري او الشامي، بينما وجود علاقة لفصيل سوري مع جهاديين من هذه البلدان نفسها ولكنهم معارضون لانظمة هذه البلدان يوصف بأنه خروج عن ثوابت الثورية السورية.
وهكذا فإن كل الفصائل المسلحة المعارضة في سوريا على اختلاف راياتها وتحزباتها تشكلت من المادة البشرية والبيئة السنية المحافظة نفسها، ومقاتلو الثوار بانتماءاتهم الاسلامية تبدلت خياراتهم من مشروع لآخر، من الجيش الحر للتنظيمات الجهادية المحلية وصولا للجهادية العابرة للحدود القطرية، وتم هذا التطور حسب مقتضيات الواقع والتجربة الذي يمنح فكرة ما ومشروعا ما، زخما يمكنه من التفوق اكثر من غيره. إنه الواقع حين يغذي فكرة كما يقول الديالكتيك.
وما دفع الكثير من مقاتلي الفصائل الاخرى للانضمام لتنظيم الدولة هو عدم قدرة فصائلهم على تشكيل أي كيان متماسك حتى في محافظة واحدة، بحيث ظلت تلك الفصائل محدودة المشروع في اطار عدة قرى او عدة احياء، بينما تمكن تنظيم الدولة من تحديد تعريف هوياتي للذات، وبناء كيان سياسي وعسكري منضبط يشكل حلفا سنيا متماسكا وعابرا من سنة العراق وسوريا، بهدف مواجهة الحلف الشيعي المنضبط من طهران إلى بيروت. كما أن الكثير من المقاتلين كانوا يقولون باستمرار أن كل تكتلات الفصائل التي تلقت دعما اقليما حكوميا عربيا هائلا تلاشت تقريبا، بينما تنظيما الدولة والنصرة تعرضا لحرب الاقليم والقوى الدولية، لكنهما نجحا بقدرات ذاتية على تكوين اوسع قوة عسكرية سنية، ربما ساعدهما في ذلك تراكم الخبرة الادارية والسياسية بعد التجربة الجهادية العراقية التي عاشوها والتي تصادمت مع المشروع الايراني قبل عشر سنوات من اندلاع الثورة السورية.
وتبقى السمة المرتبطة بتنظيم الدولة هي شراسته الاقصائية تجاه اي فصيل منافس ورغبته في فرض سلطته المستبدة ولو بالدخول بصدامات دموية داخل العائلة الجهادية، بل وداخل التنظيم نفسه، كما حصل مع انشقاق النصرة، متبعا منطق الغلبة بالسيف نفسه الذي سنه كل الخلفاء والسلاطين عبر تاريخنا، وفي سوريا ورغم أن اوسع معارك الاقتتال السني السني حصلت مع الدولة، الا أن كثيرا من الفصائل سقطت ايضا في فخ صراعات امراء الحروب، فالنصرة قاتلت حركتي حزم وجمال معروف واقصتهما خارجا، وزهران علوش شن حربا شرسة على كل منافسيه في غوطة دمشق ومنع تشكيل اي فصيل لا يخضع لامرته.. انها حلقة صراعات امراء الحروب التي لن تنتهي الا بانتصار الاقوى..
إن احد الاختلافات المهمة في مشروع تنظيم الدولة عن باقي الفصائل حتى الجهادية منها، هو تمرده الكامل على المنظومة الاقليمية العربية الحاكمة، ورفضه التماهي مع الفكرة القطرية التي قامت عليها الانظمة المدعومة بشكل كامل من الغرب، لذلك فان العداء الشديد الذي يتعرض له تنظيم الدولة، انما يرجع لكونه يمثل خطر بعث فكرة كادت أن تضمحل، تتمثل بإعادة إحياء كيان عابر للحدود يعتمد «الهوية الاسلامية السنية» بديلا عن «الهوية الوطنية» التي رسخت في عقول الاجيال منذ قرن، وتقود تفكير حتى الفصائل المفترض انها جهادية عندما أبدلت السورية بالشامية، من دون أن يلتفتوا إلى أن الشام جغرافيا وليس هوية، ولم تكن تاريخيا دولة مستقلة عن العراق، كما أن اعظم امبراطوريات تحققت لدمشق وبغداد وهي الاموية والعباسية لم يكن حكامها من الشام ولا من العراق، بل من الجزيرة العربية. ولعل من المفارقات أنه حتى حدود سايكس بيكو الاولى قبل التعديل كانت تضم الموصل ومعظم الانبار ضمن سوريا ولو كان العم سايكس بيكو ابقاها لكان السوريون اليوم يعتبرون الموصل جزءا من الوطن المقدس، لذلك تبقى هذه المقاربة فاصلة في تحديد مشاريع الفصائل، فهناك من السوريين الاسلاميين من اراد الخروج من قفص الحدود القطرية الذي سجنه فيه الاسد، ثم اخرج هو نفسه منه بتوسيع انتمائه لحلف طائفي عابر من طهران حتى بيروت. لذلك فإن الصراع الذي قد يحدث في سوريا بين فصائل الاسلاميين السلفيين، خصوصا تنظيم الدولة والنصرة والاحرار وجيش الاسلام، هو صراع على مشروع مرتبط بتعريف الذات..
ومن المعروف أن الفصائل السلفية السورية كاحرار الشام وجيش الاسلام قدمت تضحيات كبيرة وتمثل قطاعا واسعا من المجتمع السني الثائر، ولكنها ترى امكانية الاستفادة مرحليا من تحالفات مع انظمة عربية مدعومة من الغرب لتحقيق مصلحة نبيلة وهي اسقاط النظام، ولكن ما قد يحدث هو أن الانظمة ومن ورائها الغرب هي التي ستستفيد من الفصائل في محاربة تنظيم الدولة والنصرة، ولان هذه الفصائل ايضا تكرر متلازمة الغساسنة والمناذرة في الاستقواء بالخارج من اجل ازاحة خصوم الداخل وإن كانوا من العائلة، فان النتيجة ستكون الاقتتال السني السني الدموي وليس اسقاط نظام الاسد.. وهذا يعني أن ابناء القرية الواحدة قد يتقاتلون في ما بينهم، وابناء العشيرة الواحدة، بل حتى الاخوة، ولا زلت اذكر ما قاله ابو عيسى الشيخ القائد الحالي لاحرار الشام عندما كان يقود فصيل صقور الشام وهاجم تنظيم الدولة في سراقب بريف إدلب، ليجد بعد دخول القرية أن أحد مقاتلي فصيله يكاد أن يبكي، فسأله ما بك، فأجابه أن من بين القتلى الذين وجد جثثهم بعد المعركة، شقيقه في تنظيم الدولة.
كاتب فلسطيني

وائل عصام

رابط المقال القدس العربي

Print Friendly

اضف رد