ريم عبد الكافي: سوريا مباشر
تحيط الحواجز بأحياء حمص كإحاطة السوار بالمعصم ، تطبق على أنفاس الناس ،وهي ليست فقط حواجز للاعتقال ، بل أيضا للابتزاز ، فلا يمكن لسيارة محملة بأي سلعة كانت أن تمر دون أن يكون للحاجز منها نصيب ، من الخضار والفواكه إلى الحليب والأجبان ،إلى علب البسكويت والشوكولاه .فالخير والنعم تنزل على الضابط عندما يتم فرزه إلى أحد الحواجز ، فلا يكاد يمر الأسبوع حتى تتورد وجنتاه ،ويزداد وزنه ، فلاتمر أمامه إلا وهو يأكل الفستق أو يشرب العصير أويلتهم قطعة من الكنافة الشهية ،وهذا ليس وحده مصدر رزقهم ،بل العمولة على كل بضاعة تدخل أو تخرج من الحي ،وإلا فعلى صاحب البضاعة أن يفرغ حمولته قطعة قطعة ، ثم يعيدها بنفسه ،وهذا كله يهون أمام طريقة تعاملهم مع الناس ، فهم يحاولون تفريغ الحقد الطائفي الذي شحنهم به النظام بإهانة الشباب والرجال ، والتحرش بالنساء ،وإذا لوحظ أن أحدهم قد اعتاد على الناس ،وخفف من حدة تعامله ،يتم نقله إلى جبهات القتال ،وهذه عينة من بعض أهالي حمص حول بعض المواقف التي مروا بها .
ناهد : كثيرا ماكنت اضطر للخروج من الحي لشراء الحاجيات لأطفالي ، أو مراجعة الطبيب ، فزوجي شهيد منذ 2012 ،وكان علي أن أمر على الحاجز في الخروج والعودة ، إنه سجن كبير نعيش فيه .
عبير تقول : عندما كان الحصار مفروضا على حمص القديمة ، عانينا الأمرين من تضيق الحواجز ، لقد تم اعتقال أخي أمامي فقط لأن قيده الخالدية ،وعندما رجوتهم أن يتركوه ،فهو لايزال في الصف العاشر ، تم تهديدي أن أعتقل معه، ومنذ ذلك الوقت أصبح لدي رهاب من الحواجز ، أحاول أن لا أخرج من الحي أبدا ، وأطلب من صديقاتي جلب مايلزمني .
إيمان : لقد كنت عائدة من دمشق وعند حاجز دوار تدمر تم اعتقال امرأة معها ثلاثة أطفال ، بحجة أن زوجها مطلوب ،وتم ترك الأطفال الثلاثة على الحاجز ،وسألتهم أن يسمحوا لي بإعادتهم إلى عائلتهم ،فصرخ علي الضابط بشدة ، وإلى الآن أفكر في مصير الأطفال الثلاثة ، ولكني لن أنسى بكاءهم الشديد وأمهم تنتزع منهم ،وادعو الله أن يكونوا بأمان .
راما تقول : عندما تم حصار باب السباع حاولت الخروج مع أخي وهو مصاب بتخلف عقلي ، ويحتاج إلى الدواء بشكل دائم ، تم إيقافي على الحاجز لمدة ثلاث ساعات ، والسخرية مني ومن أخي ،وتهديدنا بالقتل ،ومازلت أبكي كلما تذكرت الحادثة .
حياة أخبرتني أنها كانت تسكن في أحد الأحياء مع أهلها ، وأن أخيها أحمد كان يخاف من الحاجز ، مادفعه أن يجهد كل يوم في كسب ودهم ، وأخذ الطعام لهم ، وشراء الدخان وعلب المته التي يحبونها ، حتى ظن أنه في مأمن منهم ، وفي يوم فقدناه ، فذهبت أمي لتسأل عنه الحاجز ،فأنكروا رؤيته وعلمنا بعد سنة أنه معتقل في صيدنايا ،ودفعت أمي المال لزيارته ، فأخبرها أنه كان معتقل لدى الحاجز عندما جاءت لتسأل عنه ، وأنه كان يسمعها وهي تسألهم ، فهؤلاء ليس لهم أمان .
إبراهيم : وهو جد لثلاث فتيات توفي والدهم قبل الثورة وأصيبت والدتهم برصاص قناص ، وعندما تم اسعافها تعمد الحاجز تأخيرهم رغم كل التوسلات ، حتى فارقت الحياة نزفا ، ومازالت الفتيات يسألن متى تعود أمي دون جواب.
أكرم :أخبرنا أن الحاجز الذي في الحي ،كان يقوم بتصفية الشباب على الحاجز ،ويرميهم في قناة ضيقة ،كانت مجرى لأحد قنوات نهر العاصي التي تروي البساتين ، حتى باتت الروائح لاتطاق وعندما جاء الهلال الأحمر لانتشال الجثث ، تم منعهم من إخراجها ، وقال لهم أحد الضباط : ” خلين يموتو موتة لكلاب”.
أم خالد : تشتكي من كثرة التحرش بابنتيها ، كلما مروا بالقرب من الحاجز عندما تعودان من المدرسة ، وهي تمنعهما من الحديث أمام أخيهما خوفا عليه من التهور ، فقد أصبح التحرش ببناتنا واقعا يبدو أن علينا الرضوخ له على حد قولها .
هذا غيض من فيض وربما هناك قصص مرعبة دفنت مع أصحابها ، وأما حواجز الوعر فهذه قصة أخرى .
الأسماء مستعارة ولكن قصصها واقعية .