سلام السعدي
في سورية، يوجد أكبر سجن في العالم. سجن مريع، لم يحدث أن وجد له مثيل حتى في الحكايات الخيالية. مليون سوري هم النزلاء الدائمون لهذا السجن الكبير الذي له قوانينه واقتصاده الخاص. تفاعلت قضية حصار بلدة مضايا السورية في الإعلام لتسلّط الضوء على كارثة الحصار في منطقة واحدة من أصل 52 منطقة محاصرة في سورية. يحاصر النظام السوري 49 منطقة، تنظيم داعش منطقة واحدة، ومجموعات المعارضة منطقتين. وتقع معظم المناطق المحاصرة في ريف دمشق، حيث توجد 45 منطقة محاصرة، أربع مناطق في ريف حمص، واثنتان في إدلب، ومنطقة واحدة في دير الزور.
“ |
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يوجد 4.52 ملايين شخص يعيشون في مواقع “يصعب الوصول إليها” في سورية، فيما يرزح نحو 394 ألف شخص تحت الحصار. ولكن برنامج “مرصد الحصار”، وهو مبادرة مشتركة بين منظمة السلام “PAX” ومعهد سورية للدراسات (TSI)، يقدّر أعداد المدنيين السوريين الذين يعانون درجات مختلفة من الحصار بأكثر من مليون سوري. يحدد البرنامج ثلاثة مستويات من الحصار، حيث يشكل المستوى الأول حصاراً مطبقاً لا يُكسر طوقه إلا بحالات نادرة جداً عبر التهريب والرشوة، أو عبر مساعدات شحيحة تدخلها الأمم المتحدة بمناسبات متباعدة جداً وبكميات لا تكفي الغالبية العظمى من السكان الذين يصنّفهم البرنامج ضمن المستوى الأخطر للتعرض إلى سوء التغذية والجفاف. يندرج تحت هذا المستوى الشديد من الحصار كل من مدن: مضايا، الزبداني، التل، دوما، درايا، مخيم اليرموك، جوبر، وجميعها في ريف دمشق.
المستوى الثاني هو المستوى المعتدل من الحصار، حيث يمكن دخول كميات صغيرة من المواد الغذائية عبر التهريب والرشوة، ويمكن شراء بعض السلع عبر السوق السوداء ولكن بأسعار عالية جداً. ويشمل ذلك جميع بلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق، منطقة الحجر الأسود، جنوب العاصمة، المعضمية، حي الوعر في حمص، ومدينة دير الزور.
المستوى الثالث من الحصار، وهو الأقل خطورة، حيث تدخل المساعدات عبر التهريب والرشوة بشكل شبه دوري، كما تمكن السكان من تطوير موارد زراعية محلية تعينهم في حصارهم. وتندرج ضمن هذا الحصار بلدات ببيلا وبيت سحم ويلدا والقدم في ريف دمشق، تلبيسة والرستن والحولة في ريف حمص، كفريا والفوعة في ريف إدلب.
يعتبر الباحث الاقتصادي معن الراعي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الحرب الاقتصادية، ويشمل ذلك الحصار الاقتصادي، استخدمت في حالات كثيرة بين الدول المتحاربة كوسيلة للإخضاع السياسي ولكنها استخدمت نادراً من قبل الدولة ضد سكانها كما هو الحال في سورية”.
“ |
ويضيف: “المعضلة أنه ومع مرور الوقت يتشكل اقتصاد خاص بالحصار حيث تتأسس مصالح تجارية على أساس الوضع الراهن، وتستفيد من ذلك القوى المسيطرة. وهو ما يحدث في سورية، حيث يستفيد تجار في مناطق النظام يهرّبون بعض المواد الغذائية بموافقة أجهزة الأمن التي تحصل على حصتها، كما يستفيد تجار داخل المناطق المحاصرة يبيعون تلك المواد للسكان بأسعار خيالية، ما يفسر حالات الموت جوعاً”.
“ترتفع الأسعار في المناطق المحاصرة عنها في المناطق الخاضعة للنظام السوري بنسب تتفاوت بين 5-20 ضعفاً بحسب نوع السلعة والمنطقة المحاصرة، وهو ما يجعل “التجار على الجانبين يحققون أرباحاً طائلة”، بحسب الناشط سعيد فرج، من الغوطة الشرقية. يشرح فرج لـ”العربي الجديد”: “في أوقات الحصار الشديد بلغ سعر كلغ السكر في الغوطة الشرقية 2500 ليرة مقابل 140 ليرة في مناطق النظام، القمح 700 ليرة مقابل 40، الأرز 1300 مقابل 300، البيض 3000 مقابل 550، ربطة الخبز 600 مقابل 35 ليرة”.
حاصر النظام السوري بلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق منذ بداية العام 2013، وقد كان الحصار شديداً طوال عامين قبل أن ينجح السكان وفصائل المعارضة بالتأقلم مع الوضع القائم.
يقول فرج لـ”العربي الجديد”: “تدخل بعض السلع عبر حواجز النظام السوري التي تحصل على عمولات عالية، وهكذا تصلنا بأسعار مرتفعة، ولكنها تباع بأسعار أعلى أيضاً بسبب قلة المعروض منها وتحكّم بعض التجار”.
فيما يشرح الناشط والإعلامي رائد الدمشقي، من جنوب العاصمة دمشق، لـ”العربي الجديد”، كيف “دفع فقدان المواد الغذائية بشكل كامل المكتب الإغاثي لريف دمشق الجنوبي إلى شراء مادة العدس لتخزينها بحيث تساعد السكان على الصمود، كما اندفع بعض التجار للتخزين ولكنهم كانوا يطعمون العدس للأبقار، ولم يفرجوا سوى عن كميات قليلة للسكان بعد اشتداد الحصار، حيث باعوا الكلغ الواحد بما يراوح بين 8 آلاف – 12 ألف ليرة”. ويضيف: “لم يبق شيئاً يأكله الناس في المنطقة، حتى لجأوا إلى ورق الصبار الشوكي وحشائش الأرض التي وصل سعر الكلغ منها إلى 500 – 700 ليرة”.
العربي الجديد