سير المفاوضات السورية باتجاه عقدها في الموعد المحدد لها في 14 الحالي، مع موافقة المعارضة السورية على المشاركة فيها، على الرغم من تقليلها من فرص التوصل إلى اتفاق مع النظام، في وقت يرتفع فيه الحديث عن فكرة تقسيم سورية، من خلال تصريحات لدبلوماسيين دوليين، في مقدمتهم الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الذي أشار صراحة إلى نيته طرح مسألة إقامة نظام “اتحادي” في سورية خلال مفاوضات جنيف المرتقبة.
ومن المقرر أن يشرع وفدا المعارضة والنظام في مفاوضات في 14 الشهر الحالي في جنيف السويسرية، غايتها الاتفاق على تحديد مستقبل سورية، في ظل تفاؤل دولي بإمكان خروجها بنتائج “إيجابية”، إذ أكد دي ميستورا أن “على جدول الأعمال ثلاث مسائل حددها مجلس الأمن الدولي والقرار 2254 الذي وافقت عليه روسيا، المسألة الأولى هي حكومة شاملة جديدة، والمسألة الثانية الدستور الجديد، والمسألة الثالثة انتخابات جديدة يجب أن تجري بعد 18 شهرا من بدء المفاوضات، انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت رقابة الأمم المتحدة”.
وأوضحت الهيئة أنها لا تضع أية شروط مسبقة للمشاركة في المفاوضات، لكنها تؤكد “ضرورة العمل وفق القرارات الدولية، بل تدعو إلى الالتزام الفوري بها دون قيد أو شرط”، موضحة أن العائق الذي يحول دون تنفيذ هذه القرارات “يكمن في محاولة النظام وحلفائه وضع شروط مسبقة، وخصوصاً ما يتعلق بالتنفيذ المباشر وغير المشروط للمواد 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254 والتي تنص على: رفع الحصار عن المناطق والمدن والبلدات المحاصرة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، وإطلاق سراح المعتقلين وسجناء الرأي والسجناء وفقاً للقوانين الاستثنائية أو غير المنسجمة مع مبادئ احترام حقوق الإنسان، لا سيما النساء والأطفال، ووقف أية هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية والاستخدام العشوائي للأسلحة بما في ذلك القصف المدفعي والقصف الجوي وضمان عودة اللاجئين والمهجرين.وأعلنت المعارضة السورية أنها ستشارك في جولة جنيف المقبلة، وأن جهود وفدها المفاوض “ستتركز على الأجندة التي وضعتها الهيئة بناءً على بيان جنيف (عام 2012) وغيره من القرارات الدولية في ما يتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، والتمسّك بوحدة الأراضي السورية، والحفاظ على مؤسسات الدولة مع إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية، ورفض الإرهاب بكافة أشكاله، وإقامة نظام تعددي يمثل كافة أطياف الشعب السوري، من دون أن يكون لبشار الأسد وأركان ورموز نظامه مكان فيه أو في أية ترتيبات سياسية قادمة”، وفق بيان صدر عن الهيئة العليا للتفاوض أمس الجمعة.
وأشارت إلى أن الهدنة لم تكن كفيلة بتحقيق هذه البنود، معتبرة أن على المجتمع الدولي أن يكون واضحاً وحاسماً في مسألة رفع المعاناة عن الشعب السوري الذي لا يزال يعاني من القصف الجوي والحصار الجائر والاعتقال التعسفي والتهجير القسري، وفق البيان.
اقرأ أيضاً: دبلوماسيون: قوى كبرى تبحث إمكانية تقسيم سورية اتحاديا
ويخشى مراقبون من أن اصطدام الرؤى بين وفدي المعارضة والنظام سيؤدي إلى نسف المفاوضات في أيامها الأولى، إذ لا يزال النظام يصرّ على تنحية الملفات السياسية الجوهرية جانباً، والتركيز على مسألة “محاربة الإرهاب”، رافضاً فكرة تنازله عن السلطة، فيما تصر المعارضة على أنها لن تناقش إلا مسألة تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، مستبعدة فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تُبقي الأسد في السلطة ولو إلى حين.
وقلّل المنسّق العام للهيئة رياض حجاب، من فرص التوصل إلى اتفاق مع النظام الذي يستثمر معاناة السوريين لتفادي الاستحقاقات الحتمية للعملية السياسية، مؤكداً أنه لا يزال ينتهج السياسة العدائية نفسها منذ الجولة التفاوضية الأولى التي عقدت في فبراير/ شباط 2014.
في المقابل، تعمل روسيا على إشراك حلفائها في المفاوضات، إذ دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الجمعة، دي ميستورا إلى إشراك الأكراد في المفاوضات، قائلاً في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصيني وانغ يي في موسكو، إن “إطلاق المحادثات من دون مشاركة هذه المجموعة سيكون مؤشر ضعف من جانب الأسرة الدولية”، مضيفاً أن استبعاد الأكراد “سيغذي طموحات الذين لا يريدون البقاء ضمن سورية بل يريدون تقسيمها”.
أما حديث التقسيم الذي ارتفعت وتيرته في الفترة الأخيرة، فتسعى المعارضة السورية باتجاه وأده في مهده، مستندة إلى موقف شعبي يتصاعد رافض لتقسيم البلاد. ويقول نائب المنسّق العام للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة يحيى قضماني، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن طرح دي ميستورا حول إقامة نظام اتحادي “مقدمة لتقسيم سورية، هو خطير في هذه المرحلة، وله مدلولات يجب ألا نغفل عنها”، مضيفاً: “هي محاولة مفضوحة لتخريب المفاوضات، وخلق الحجج لإنجاح مخططاتهم”. ويشير قضماني إلى أن الكيان الفيدرالي “يولد من مناطق منفصلة تتوحّد في شكل فيدرالي، وليس العكس”، مشدداً على أن المعارضة السورية “سترفض إدراجه في جدول المفاوضات”.
وقفزت فكرة تقسيم سورية تحت مسميات مختلفة لتحتل الواجهة الإعلامية، وربما ستشكل عائقاً آخر أمام استمرار التفاوض في جنيف، خصوصاً أن هناك أطرافاً سورية لا تمانع في إعلان نظام اتحادي، بما فيها النظام الذي لم يستبعد رئيسه بشار الأسد في مقابلة أجريت معه في سبتمبر/ أيلول فكرة الاتحادية عندما سئل عنها، لكنه قال إن أي تغيير يجب أن يكون عبر الحوار بين السوريين وإجراء استفتاء لإدخال التغييرات الضرورية على الدستور.
كما أن مجلس “سورية الديمقراطية”، والذي يترأسه هيثم مناع بالشراكة مع حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي برئاسة صالح مسلم، لا يرفض فكرة إقامة نظام فيدرالي في سورية، فيما لا تزال موسكو تحاول إشراك الأكراد في المفاوضات المقبلة.
وفي هذا السياق، يوضح عضو المكتب السياسي في المجلس، بسام إسحق، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنهم “في نقاش حول شكل النظام الأفضل”، مشيراً إلى أن هناك من يرى الفيدرالية “أفضل طريق”، وهناك “من يطرح سورية اتحادية”. إسحق الذي يرأس في الوقت نفسه المجلس السرياني السوري، يقول إن “الفيدرالية أنواع، وأنا شخصياً مع ما يتوافق عليه السوريون بعيداً عن أي تدخل خارجي، وأؤيد الفيدرالية إن لم تكن على خلفية طائفية أو عرقية”، وفق تعبيره.
ويعتبر العمادي أنه “ليس للسعودية أيضاً مصلحة في تقسيم سورية، لأن الرياض تدرك أن إيران ستسيطر على القسم العلوي من سورية في حال التقسيم”، مضيفاً: “كذلك يخشى لبنان والعراق التقسيم بسبب وضعهما المقسّم أصلاً، بالتالي فالمنطقة كلها مهددة بالتشرذم في حال قرر المجتمع الدولي السير في هذا الاتجاه”، مستبعداً لجوء موسكو وواشنطن إلى القوة لفرض مشروع التقسيم في سورية.من جهته، يرى سفير الائتلاف الوطني السوري في العاصمة الإيطالية روما، بسام العمادي، أن مشروع التقسيم المطروح ليس من السهل تحقيقه، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عوائق كثيرة إقليمية وسورية تقف ضد المشروع”. ويشير العمادي إلى أن “دولاً إقليمية لن تقبل بتقسيم سورية كي لا تنتقل العدوى إليها، وفي مقدمتها إيران وتركيا”، معرباً عن اعتقاده بأن زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو منذ أيام إلى طهران تصب في هذا الاتجاه.
فيما أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن الحفاظ على وحدة أراضي سورية مسألة أساسية بالنسبة لروسيا، لافتاً في حديث للصحافيين، أمس، إلى أن الحفاظ على وحدة سورية هو على الأرجح “حجر زاوية” لكثير من الدول، كما أنه أولوية بالنسبة لروسيا.
العربي الجديد