يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على كسب ود السعودية وإشراكها في تفاصيل وقف إطلاق النار في سوريا الذي ينتظر أن يبدأ السبت، لكنه في المقابل يسعى إلى عزل نظيره التركي رجب طيب أردوغان عن أي دور في الملف السوري رغم أن أنقرة أحد المعنيين مباشرة بالمسألة.
وأعلن الكرملين الأربعاء أن الرئيس الروسي أجرى اتصالا هاتفيا مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بشأن الأزمة السورية. ونقلت وكالة أنباء “إنترفاكس” أن بوتين أطلع العاهل السعودي على تفاصيل البيان الروسي الأميركي المشترك حول التسوية في سوريا.
وأضافت وسائل إعلام روسية أن العاهل السعودي رحب بما تم التوصل إليه من اتفاقات، وأبدى الاستعداد للعمل مع روسيا على تنفيذها.
وقال مراقبون إن القيادة الروسية تقيم وزنا خاصا للعلاقة مع السعودية باعتبارها بوابة ضرورية لتطوير علاقة موسكو بالعواصم العربية المختلفة، فضلا عن مصالح البلدين في ملف النفط، ورغبة روسيا في الحفاظ على علاقات اقتصادية وعسكرية متطورة مع السعودية وبقية دول الخليج.
وتتفهم السعودية تدخل روسيا عسكريا في سوريا للحفاظ على مصالحها. من جانبها تحرص موسكو على جسر الهوة بينها وبين الرياض في ما يخص تصنيف المعارضة إلى سياسية وأخرى إرهابية.
لكن الأهم أن الروس يسعون إلى تأكيد تمايزهم عن الموقف الإيراني في سوريا وفي المنطقة ككل، وأن التدخل العسكري هدفه الحفاظ على المصالح الروسية وليس تغيير موازين القوى بما يخدم إيران والميليشيات الحليفة لها في سوريا.
وتعكس الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس الروسي في الساعات الأخيرة بالرئيس الإيراني حسن روحاني، وبالرئيس السوري بشار الأسد، فضلا عن العاهل السعودي، رغبة جدية من موسكو لإنجاح وقف إطلاق النار كخطوة أولى للبدء بحوار بين النظام السوري والمعارضة يفضي إلى اتفاق سياسي جدي.
وأشار المراقبون إلى أنه من الواضح أن اتصال بوتين بروحاني والأسد كان هدفه تأكيد جدية الموقف الروسي في البدء بوقف إطلاق النار، وأنه ربما قد مارس ضغوطا عليهما للقبول به لقطع الطريق على محاولات تركية لتوسيع دائرة الصراع.
وقال أندريه ستيبانوف الخبير الروسي في الشؤون العربية لـ”العرب”، “إن الهدنة التي أعدتها واشنطن وموسكو تحظى باحتمال أكبر للنجاح من كل المحاولات السابقة لأن الطرفين هيآ الظروف المواتية لنجاحها”.
|
وشدد على أن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي والعاهل السعودي يؤكد على توافق بين البلدين وتفاهم على الحل في سوريا انطلاقا من وقف إطلاق النار ثم المفاوضات السياسية.
وعزا اتصال بوتين بالأسد إلى إطار التزام روسيا بتطبيق الهدنة من خلال ضغطها على حكومة دمشق، متوقعا أن موسكو ستطالب واشنطن بممارسة ضغطها على المعارضة في الاتجاه نفسه.
وأكد ستيبانوف المقرب من دوائر صناعة السياسات الروسية الخارجية في الشرق الأوسط، على أن “روسيا مصرة على إنجاح المفاوضات والضغط على النظام للالتزام بالحل السياسي وتشكيل حكومة انتقالية ثم تعديل الدستور وتتبع ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية”.
وفي مقابل سعيه إلى إرضاء السعودية، فإن الرئيس الروسي يعمل على منع الرئيس التركي من أي دور في جهود الحل السياسي، وذلك بسبب الخلافات الروسية التركية حول سوريا، وفي ظل سعي أردوغان إلى استعداء روسيا وحلفائها الميدانيين.
وبدأ أردوغان يفقد الدعم الأميركي بسبب مواقفه المتشنجة وعدم حساب مصالحها على الأرض، وخاصة باستهدافه أكراد سوريا الذين يقومون بدور محوري في الحرب على داعش، وهي الحرب التي تضعها واشنطن أولوية لديها.
لكن المسؤولين الأميركيين لا يخفون قلقهم من استمرار الملف السوري دون حل سياسي يرضي الأطراف المعنية، ويمنع الجماعات المتشددة من استثمار الأزمة لكسب المزيد من المتعاطفين.
وما يفسر هذا القلق هو التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الثلاثاء والتي لوح فيها بـ”خطة بديلة” توحي بإمكانية دعم واشنطن تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية مثلما يجري الآن ترسيمه بالعراق.
وكان كيري قال الثلاثاء خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي إن بلاده تدرس “خطة بديلة” في حال لم تكن دمشق وموسكو جادتين في التفاوض على الانتقال السياسي، إلا أنه لم يكشف عن تفاصيل الخطة.
وأوضح كيري خلال الجلسة أنه أبلغ الرئيس الروسي أن الولايات المتحدة لن تنتظر أكثر من شهر أو اثنين لترى ما إذا كانت موسكو جادة بشأن المحادثات.
وألمحت مصادر دبلوماسية إلى أن الخطة الجديدة قد تشتمل على تدخل عسكري للولايات المتحدة والتحالف الذي تتزعمه للحرب على الإرهاب بشكل معزول ضد مواقع نفوذ داعش شرق سوريا.
ونددت دمشق الأربعاء بتصريحات كيري، محملة واشنطن وحلفاءها مسؤولية اندلاع الأزمة في البلاد، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية.
العرب